نعيش فرصة الحياة الدنيا ، أمّا بعد الموت فلا تجدينا التوبة شيئا. وما أحوج الإنسان إلى النقد الذاتي البناء للمستقبل ، فإنه في عرصة القيامة حيث المحاسبات الحاسمة يحتاج إلى أقل من مثقال الذرة من أعمال الخير ، فقد قال رسول الله (ص) : «تصدّقوا ولو بصاع من تمر ، ولو ببعض صاع ، ولو بقبضة ، ولو ببعض قبضة ، ولو بتمرة ، ولو بشقّ تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن أحدكم لاقى الله فيقال له : ألم أفعل بك؟ ألم أفعل بك؟ ألم أجعلك سميعا بصيرا؟ ألم اجعل لك مالا وولدا؟ فيقول : بلى. فيقول الله تبارك وتعالى : فانظر ما قدمت لنفسك ، قال : فينظر قدّامه وخلفه ، وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئا يقي به وجهه من النار» (١).
وكما يجب على الإنسان النظر الى ما يقدمه الى مستقبله الأخروي ، فانه مسئول عن النظر إلى ما يقدمه لمستقبله الدنيوي أيضا (مفردا أو جماعة أو جيلا) ومن الخطأ أن يعيش لحظته الراهنة بمعزل عن المستقبل واخطاره ، لان هذه اللحظة جزء من المستقبل ، ولأنه والجيل الحاضر رقم في مسيرة الآتين شاء ذلك أم أبى.
ولكي لا يقيّم البشر ما يقدمه للمستقبل من بعد الكم وحسب ، يدعونا القرآن لتركيز التقوى التي تأتي من الإحساس بالرقابة الإلهية ، فان الذي يشعر بمعاينة الخالق له ، وخبرته بسعيه لا شك سوف لن يكتفي بالكم بل سيجتهد بإحراز النوع المرضي عنده عزّ وجل ، وذلك بالإخلاص في النية والإتقان في العمل.
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)
ولك أن تتصور فاعلية الإنسان وسعيه (كما ونوعا) وهو يتحرك بشعور الحضور تحت رقابة رب العمل والحساب والجزاء. إنه سيجتهد حقّا لإحراز مرضاته ، وبلوغ
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٩٢