فيهتدون إلى عظمة كتاب ربهم ، فتلين به قلوبهم ، وتأكيد القرآن على إثارة العقل بالتفكير لدليل واضح إلى أنه ليس بديلا عن عقل الإنسان إنما هو مكمل ومرشد له الى الحق في أقوم صوره. وهذه الآية تهدينا إلى أن عظمة القرآن لا تتكشف لأحد إلا بالتفكر بآياته وأمثاله ، ذلك أنه كلما تقدم بالإنسان الوعي والعلم كلما عرف عظمته وأحس بالحاجة إليه ، وأن الرسالة الالهية جاءت لتحرك عقول البشرية ، وترفع تخلفها الفكري ، ذلك أن الحركة الحضارية الحقيقية تبدأ باستثارة العقل وترتكز عليه ، والعقول التي لا يحركها القرآن نحو التفكر والخشية من الله وهو أعظم محرك لهي أقرب إلى الموت من الحياة.
[٢٢] أسماء الله وسائل معرفته ، ومعرفة الله سبيل قربه ، والقرب من الله غاية كمال الإنسان ، وإنما خلق الله أسماءه لكي ندعوه بها ، ولولا تلك الأسماء كيف كان يتسنى لنا معرفته؟
هكذا جاء في حديث شريف عن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ يسأله ابن سنان عن معرفة الله بنفسه ، ومتى خلق أسماءه؟ فيقول : «هل كان الله عزّ وجلّ عارفا بنفسه قبل ان يخلق الخلق؟ قال : نعم ، قلت : يراها ويسمعها؟ قال : ما كان محتاجا الى ذلك لأنه لم يكن سألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ، ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها ، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف» (١).
ولكن كيف ندعو الله بأسمائه؟ انما يتم ذلك حينما نجعلها وسيلة الى معرفته ، فلا نجمد عند حروفها ، ولا ندعو بالأسماء كأسماء ، بل نجعلها سبيلا الى ذلك الرب الذي نشير اليه ب «هو» ذلك الذي تجلت آياته في كل شيء ، ولكن تعالت ذاته عن العقول.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٩٥