وتجلياتها؟
أولا : إنه «الملك» يملك ناصية القدرة في كل شيء ، فلا حول لشيء ولا قوة له إلا به ، ولا يقع حدث إلّا في دائرة علمه وقدرته ، وله مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .. تصور نملة صغيرة في غابة واسعة تنتقل في ليلة ظلماء من موقع لآخر ، يعلم الله بسرها وهدفها ، وحركة الروح بين أضلعها ، ووساوس الشهوة في قلبها ، وانبعاث الغرائز في نفسها .. يعلم كل ذلك ويحيط بها ملكوته.
إن الله يملك حركة الأشياء ، ويملك ذاتها ، فله ملكوت السموات والأرض ، تعالى ربنا وعظم ملكه.
انه ملك لا يزول ملكه ، ولا تحدده الحدود الجغرافية ، ولا تقيّده المعادلات الكونية. هل سمعت قصة المأمون العباسي عند ما دنت منه الوفاة كيف أشرف على معسكره العريض ، وتنفس الصعداء ، وقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه؟
هكذا قهر ربنا الجبار عباده بالموت والفناء ، حتى وضع الملوك على رقابهم نير العبودية فهم من سطواته مشفقون ، ومن عزته خائفون.
ثانيا : للقدرة حين تكون عند البشر سكرها ، وسكر القدرة أعظم من أيّ سكر ، وحين تلعب برأس المقتدرين خمرة القدرة يفسقون عن حدود المشروع ، وينسابون في الأرض انسياب الأفعى يزرعون السمّ والموت ، وقد قال ربنا سبحانه : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (١) وقال سبحانه : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٢) ولكن ربنا سبحانه قدوس منزّه عن
__________________
(١) العلق / ٧
(٢) محمّد / ٢٢