وثانيا : إنّ الأمر بالايمان والإنفاق قائم وملزم حتى لغير المؤمن ، فان كان مسلما لمّا يدخل الايمان قلبه فدعوته لذلك جائزة ، ولو افترضناه كافرا فهي قائمة وملزمة أيضا ، فهذا رسول الله (ص) يدعو الكافرين والمشركين الى التوحيد بما اشتهر عنه : «قولوا لا إله الّا الله تفلحوا» ، فلا يعني ذلك أنّ أمره (ص) قبيح ، ولا أن دعوته غير ملزمة ، فالأمر حينما يكون عقليّا يلزم كل ذي عقل ، وحينما يكون شرعيّا يلزم كل من بلغته الحجة ولو لم يذعن ، والدليل الى ذلك توعد الله المخالفين لأوامره بالعذاب ، والأمر بالايمان ـ ومن ثم الإنفاق ـ يتسم بالعقلانية ، كما هو مقتضى الشريعة.
وإذا كانت المعرفة مرتكز الايمان فانّ الايمان مرتكز الإنفاق ، إذ لا قيمة لانفاق بغير إيمان ، ولغير وجه الله ، قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (١) ، والايمان ليس يوجّه الإنفاق الى أهدافه الصحيحة ، ويجعله ضمن منطلقاته ودافعه المطلوبة وحسب ، بل هو الذي يعطي الإنسان الارادة والقدرة على تجاوز حرص النفس وشحّها وسائر الضغوط والحوافز المعاكسة ، فالمؤمن يعطي في سبيل الله لاعتقاده بأن ذلك يؤدي الى النماء ، والى الجنة ، والى رضوان الله وهو الأهم ، فلا يعتبر إنفاقه خسارة ، بل هو ربح في الواقع والمستقبل ، ثم هب أنّه لم يحصل على نماء في الدنيا فانّه سوف يجد أجرا كريما في الاخرة.
ومن الحوافز الموضوعية الى الإنفاق بالاضافة الى الايمان هو المعرفة الراسخة باننا لا ننفق من عند أنفسنا ، إنّما ننفق من ملك الله الذي استخلفنا فيه ، فلما ذا الشح
__________________
(١) آل عمران / ١٦ ـ ١٧