ما دام الآمر بالإنفاق هو المالك؟ لذلك يؤكّد القرآن قائلا :
(مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
وقد قيل في «مستخلفين» معنيان أحدهما : انّ الإنسان يأتي خلفا لسلف في الملك ، فيكون المعنى : أنفقوا من قبل أن يستخلف الله أحدا غيركم باماتتكم ، أو نقل مالكم إليه ، والثاني : إنّكم لستم المالك الحقيقي بل الله ، وانما أذن لكم بالتصرّف فيه ، وخوّلكم صلاحية العمل فيه ، كما لو كنتم خلفاءه فيه ، وكلا المعنيين سواء في التحريص على الإنفاق ، ولكنّ الاول أظهر لقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١)
(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)
أما الذي يؤمن ولا ينفق فان كان امتنع عن الإنفاق الواجب فله العذاب ، وان كان مستحبا فانّ أجره لن يكون كأجر المنفقين.
[٨] ولماذا يرفض الإنسان الايمان بربّه وهو الذي خلقه ويرزقه ويرعاه؟!
(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ)
وهذه الدعوة ليست بدعة ولا باطلا ، إنّما تتفق مع الحق المودع في فطرة كلّ خلق منذ عهده مع ربّه. قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ
__________________
(١) المنافقون / ١٠