بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله (ص) : أمسلمة جئت؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك؟ قالت : كنتم الأصل والعشيرة والموالي ، وقد ذهب مواليّ فاحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني ، قال : فأين أنت من شباب مكّة؟ ـ وكانت مغنّية نائحة ـ قالت : ما طلب مني بعد وقعة بدر أحد ـ حيث فجعوا بأبطالهم وأخذهم الحزن والغم ـ فحثّ رسول الله (ص) بني عبد المطلب فكسوها وحمّلوها وأعطوها نفقة ، وكان رسول الله (ص) يتجهّز لفتح مكّة ، وأتاها حاطب بن أبي بلتعه فكتب معها إلى أهل مكّة ، وأعطاها عشرة دنانير ، وقيل عشرة دراهم ، وكساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكّة» (١) فوضعته في قرونها ومرّت ، فنزل جبرئيل على رسول الله وأخبره بذلك ، فبعث رسول الله أمير المؤمنين (ع) والزبير بن العوّام في طلبها ، «وقيل : معهم عمّار ، وعمر بن الزبير ، والمقداد بن الأسود» (٢) ، فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين (ع) : أين الكتاب؟ فقالت : ما معي شيء ، ففتشوها فلم يجدوا معها شيء ، فقال الزبير : ما نرى معها شيئا ، فقال أمير المؤمنين (ع) : والله ما كذبنا رسول الله (ص) ، ولا كذب رسول الله على جبرئيل ، ولا كذب جبرئيل على الله عزّ وجلّ ثناؤه ، والله لتظهرن الكتاب أو لأردن رأسك إلى رسول الله (ص) ، فقالت : تنحّيا عني حتى أخرجه ، فأخرجت الكتاب من قرونها ، فأخذه أمير المؤمنين (ع) وجاء به إلى رسول الله (ص) ، وقال رسول الله (ص) : يا حاطب ما هذا؟ فقال حاطب : والله يا رسول الله ما نافقت ، ولا غيّرت ، ولا بدّلت ، وإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله حقّا ، ولكنّ أهلي وعيالي كتبوا إليّ بحسن صنيع قريش إليهم فأحببت أن أجازي قريشا بحسن معاشهم ـ وفي رواية أخرى ـ قال رسول الله (ص) : ما حملك على ما صنعت؟ فقال يا رسول الله! والله ما كفرت مذ أسلمت ، ولا غششتك مذ نصحتك ،
__________________
(١) المصدر بتصرّف طفيف
(٢) المصدر