ولا أحببتهم مذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلّا وله بمكّة من يمنع عشيرته ، وكنت عريرا (أي غريبا) وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد قلت : إنّ الله ينزل بهم بأسه ، وإن كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدّقه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعذره» (١) فأنزل الله عزّ وجلّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٢) :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)
والولي هو الذي يجعله الإنسان أولى به من سائر الناس بحبه وصلته وطاعته ، وإنّما ينهى الله المؤمنين عن تولّي الأعداء من المشركين والكفّار ، لأنّ ذلك يناقض تولّيه عزّ وجلّ الذي يقتضي البراءة من أعدائه حيث لا يحتمل القلب الواحد ولائين متضادين ، قال تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (٣).
ولم يقتصر القرآن على بيان عداوة أولئك لله ، بل أثبت عداوتهم للمؤمنين ، مع أنّ المحور هو العداوة لله ، وأنّ كلّ عدوّ له هو عدو للمؤمنين به ، وذلك ليؤكّد عداوتهم العملية والمباشرة لهم ، والتي تظهر في مواقفهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من المؤمنين ، كإخراجهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) والمؤمنين من بلادهم والمشار إليه في الآيات (١ ، ٨ ، ٩) ، فإنّ العدوّ لله عدو للمؤمنين ، ولكنّه قد لا يجد سبيلا للتعبير عمليّا عن عداوته لهم ، إنّما يحفظها ظغائن في صدره. والمؤمن قد يلقي بالمودة للأعداء نتيجة العواطف أو الانهزام النفسي تجاههم ، وسواء هذا أو ذاك
__________________
(١) تفسير القمي ج ٢ ص ٣٦١
(٢) المصدر ٣٦١
(٣) المجادلة / ٢٢