تضطرهم إلى الهجرة. وتسأل : لماذا يلجأ الظلمة على مرّ التاريخ لإخراج المؤمنين من بلادهم؟ والجواب : لأنّهم يخشون أن يستجيب المجتمع لمبادئهم الحقّة ، ويتبع قيادتهم ، وينتمي إلى تجمّعهم ، وبالتالي يصيرون بديلا عن أنظمتهم الفاسدة ، وقيادتهم. ولا ينبغي للمؤمن الذي يريد الله له العزة وبالذات من تعرّض لأذى الكفّار والظلمة كالتهجير والاعتقال أن ينسى جراحة ، ويودّ عدوّه.
ثالثا : لأن موادتهم نقيض لأهم قيمتين عند المؤمنين وهما الجهاد في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته. بلى. الجهاد لإعلاء كلمة الله ، وتحرير البلاد والعباد من ربقة الجبت والطاغوت هو صبغة العلاقة بين المؤمنين وأعداء الرسالة ، وهو بحاجة إلى الشدة منهم ، بينما حبّهم وتولّيهم يفرّغ الجهاد من هذه الروح ، ثم لماذا موادتهم وتوليهم ، هل لنيل رضاهم فإنّ ذلك لا يرضي الله عزّ وجلّ؟ لأنّ السبيل إلى رضاه باتجاه مناقض تماما لسبيل رضى أعدائه ، كما تشير الآية إلى ذلك في نهايتها.
(إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي)
وينطوي هذا المقطع على بيان عميق لمعنى الهجرة في سبيل الله عزّ وجلّ في مفهوم القرآن ، حيث تعني الانقطاع التام عن الأعداء ، وهجرتهم ماديّا ومعنويّا. أو ليس مقياس المؤمن هو الدّين ، يحبّ عليه ، ويبغض عليه ، حتى ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
«كلّ من لم يحب على الدين ، ولم يبغض على الدين فلا دين له»
وحيث يريد الله أن يستخلص قلوب المؤمنين له وحده نهاهم بصورة غير مباشرة حتى عن مجرد المودة الخفية التي يلقيها إليهم بعيدا عن علم الآخرين ، وذلك ببيان