بعضها ، وبين الآباء والأولاد. ويحذّر الله من طرف خفي بأنّ المناورة لا تنفع في الالتفاف على أحكامه وحكومته ، كأن يودّ المؤمن أحدا من الكفّار أو يتولّاه ثم يبرّر هذا الانحراف بأنّه رحم أو ما أشبه.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ثالثا : إنّ سواء السبيل هو خط الأنبياء والذين آمنوا ، وقد تبرّأوا من أعدائهم وعادوهم وبغضوهم لوجه الله ، وقد ضرب أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) والمؤمنون معه المثل الأعلى في هذا الجانب فأصبحوا خير أسوة على امتداد الزمن ، فإنّهم لم يقطعوا حبل المودة والولاء عن الأبعدين وحسب ، بل قطعوها عن أقرب الناس إليهم وهم قومهم وأرحامهم وآباؤهم.
لقد كان إبراهيم يتيما يحتاج إلى الحماية الاجتماعية والاقتصادية ، ولكنّه لم يخضع لعمّه آزر طمعا في شيء من ذلك ، بل مضى قدما على نهجه الحنيف ، فلم يتحدّ الكفّار اعتمادا عليه ولا على قومه ، بل تحدّى قومه بدءا من عمّه ، وتحدّى كلّ الشرك بدءا من قومه ، فأصبح أسوة المؤمنين ، وهكذا تتحوّل حياة الأنبياء أسوة حسنة للأجيال المؤمنة من بعدهم ، ويتعزّز دور إبراهيم (عليه السلام) والذين معه كأسوة للمخاطبين بهذه السورة حينما ندرك ظرف نزولها في المدينة حيث تحوّلت الأمة الناشئة إلى مجتمع مستقل ، وذي قوّة لا يستهان بها ، فإذا قسنا ذلك الظرف بما عاشه المؤمنون في عهد إبراهيم كانت المسافة عريضة ، حيث قاطع إبراهيم والمؤمنون معه تلك الفئة القليلة المستضعفة مجتمع الشرك مقاطعة جذرية شاملة ، فكيف يزعم البعض من مؤمني المدينة ومن كان مثلهم أنّ مقاطعة الكفر غير ممكنة؟! كلّا .. أولئك أسوة لنا وحجّة علينا.
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)