لماذا عبّر القرآن الحكيم بهذه الصيغة مع تأكيد على شخص إبراهيم ، وكان من الممكن أن يقول تعالى : قد كانت لكم أسوة حسنة في المؤمنين على عهد إبراهيم؟ ربما ليؤكّد على دور القائد إبراهيم (عليه السلام) لأنّه هو الأسوة أوّلا وإنّما المؤمنون أتباع له ، وهذا تأكيد من قبل الله على الدور الريادي للإنسان الفرد في التاريخ.
وهذا هو أبو الأنبياء والمؤمنون معه يعلنون موقفهم الحازم والراسخ تجاره قومهم المشركين وضد قيمهم الضالة ، لم تثنهم قلّتهم ، ولم تلجؤهم الضغوط إلى الركون والخضوع لهم.
(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)
وبذلك تحدّوا الأشخاص والمبادئ معا لما ينطويان عليه من الضلال ، وكم يكون الأمر صعبا والتحدي مكلّفا إذا كان المتبرّأون هم الأقلية الضئيلة ، ذلك أنّ العزلة عن الآخرين مكلّفة حتى ولو كانت من الأكثرية للأقلية ، فكيف بالعكس؟! بلى. إنهم أعلنوا البراءة من قومهم ، وهجروهم ، واشتروا ألوان المحن بقيمة تحديهم ، وصبروا على الحق ، وهكذا ينبغي للإنسان الحر أن يختار طريقه ، بعيدا عمّا يجد عليه قومه ومجتمعة ، وبالذات المؤمن الذي يعتبر الحق هو المقياس الأوّل والأخير. ولعلّ القول «إذ قالوا» لا يعني مجرد الكلام ، إنّما يشمل كلّ ما من شأنه التعبير عن موقفهم وبراءتهم ماديّا ومعنويّا ، فلقد أعلنوا بكلّ الوسائل براءتهم منهم ..
(كَفَرْنا بِكُمْ)
فلا نؤمن بنهجكم في الحياة ، ولا نتخذكم مقياسا لمعرفة الحقّ والباطل ، والكفر