فتح مكة ، قبل أن ينطق أبو سفيان بالشهادتين فكيف أصبح مصداقا للآية؟!
[٨] ويحدّد لنا القرآن الموقف المطلوب تجاه المسالمين من الكفار ـ الذين لا يحاربوننا ولا يؤذوننا ـ حيث يبيح التعامل معهم إنسانيّا على أساس البر والقسط ، فيقول
(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)
لأنهم مسالمون ، ويجمع المسلمين معهم إطار الإنسانية ، وهذا يعني أن الإسلام دين السلام ، فهو لا ينشد الحروب والعداوات بذاته ، إنما دعوته للتبري والمقاتلة تكون موجهة ضد الكفار المحاربين ، وقائمة على أساس موقفهم السلبي ضد الدين وأتباعه.
والبر عموم الإحسان ، ومنه التواصل ، وتبادل الاحترام ، ومقابلة الإحسان بمثله ، أما القسط فقد قيل : هو اقتطاع بعض المال وإعطائه لهم قرضا أو غيره. والأظهر أنه العدالة الظاهرية والباطنة التي هي أسمى درجات العدل (١) وهذا الحكم الإلهي يبين كيف أنّ مجرد الكفر واعتناق المبادئ المغايرة للدين ليس وحده مبرّرا لاستباحة حرمة الإنسان ماله وعرضه ونفسه ، وفي نهاية الآية يحث ربنا على الإقساط إذ يقول :
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
ويريد للمؤمنين به أن يكونوا كذلك ، ولعل قوله «يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» تخصيص للقسط بالذات على وجه الترجيح له على البر. وحيث يبيح ربنا هذا اللون من
__________________
(١) مر كلام مفصل حول العلاقة بين العدل والقسط في سورة الحجرات.