أولا : لأنّ القسط ليس ضروريا مع المحاربين ، لأن دمهم ومالهم حلال. أو ليس يستحلون ذلك منا؟ وثانيا : إنّ القسط هنا ليس بمعنى العدالة إنّما هو فوقها ، وهو في الحقوق يشبه الإيثار في الأخلاق ، ولذلك كان حكمه الإباحة «لا ينهى» حتى مع المسالمين ، بينهما العدالة فهي واجبة تجاههم (أي غير المحاربين) ومثل هذا التعامل غير مناسب مع المحاربين ، حتى ولو كانت العدالة واجبة تجاههم في بعض الجوانب.
[١٠] ويمضي بنا السياق شوطا آخر في الحديث عن ضرورة التمحض في العلاقات الإيمانية فيبين أنّ الصلات الزوجية لا ينبغي أن تكون حاجزا دون الولاء الإيماني ، لأنّه أسمى من كلّ علاقة ، وهو يفصل بين المؤمنة وزوجها الكافر ، كما يفصل بين المؤمن وزوجته الكافرة ، بالرّغم من أن أكثر الناس يزعمون أنّ الزوجة تابعة لزوجها في كل شيء حتى في دينها وولائها ، بينما يؤكّد القرآن استقلالها في القضايا المتصلة بمصيرها ، فلا يحق لها أن تبقى رهينة إرادة الزوج الكافر لو اختارت الإسلام عن وعي وقناعة ، ولا يجوز للمؤمنين أن يرفضوها أو يرجعوها إلى زوجها فإنها حرام عليه ، إذ لا ولاية لكافر على مؤمن ولا على مؤمنة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ)
بهدف معرفة صدق نواياهن وخلوصها عن أي هدف مادي ، كأن تكون الواحدة قد هاجرت هربا من العصمة الزوجية أو طمعا في مؤمن ، وتأتي أهمية الامتحان من أنّ المجتمع المؤمن ينبغي أن ينتقي أفراده انتقاء ، وبالذات عند ما يواجه التجمع الإيماني محاولات التسلل والاختراق من قبل أعداء الدين ، أمّا كيفية الامتحان فإنّ القرآن لا يحددها ، بل يترك الأمر للمؤمنين أنفسهم يجتهدون على