وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) ، وقال : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) (٢) ، وقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٣).
ولنا أن نلمس حقيقة الرسالة ، ورأفة الله ورحمته عن قرب ، لو رجعنا الى الوراء قليلا في الزمن لنقارن بين واقعين في تجمّع واحد كان يعيش على شبه الجزيرة العربية ، واقعه قبل الإسلام ، وواقعه بعده ، لقد كان قبله مجتمعا ضعيفا متمزّقا عرضة للطامعين وعرضة للتناحر والحروب ، فأصبح قويا متحدا ورمزا للتحضّر ، وقال تعالى مشيرا الى هذه النعمة العظيمة : «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (٤) ، وقالت فاطمة الزهراء (ع) تعكس محتوى هذه الآية وشبيهاتها : «ابتعثه إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير رحمته ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكّفا على نيرانها ، عابدة لاوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمّد (ص) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصّرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم الى الطريق المستقيم .. إلى أن تقول : وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الاقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد (ص) بعد اللتيا والتي» (٥).
__________________
(١) التوبة / ١٠٣
(٢) البقرة / ٢٧٦
(٣) سبأ / ٣٩
(٤) آل عمران / ١٠٣
(٥) الإحتجاج / ج ١ ص ٩٩ ـ ١٠٠