وبيّن مناقب الشهداء ومنازلهم في الجنة ، فتمنّى الشهادة بعض المسلمين ـ الذين لم يحسنوا إلّا التمني ـ وقالوا : لو هيّأ الله لنا قتالا نفرغ وسعنا فيه ، ونبذل أرواحنا وأموالنا في سبيل الله ، فنحصل على مراتب المجاهدين والشهداء ، وسرعان ما حدثت واقعة أحد ، فلم يفوا بما قالوا ، إنّما انهزموا وتركوا النبي في الميدان ، فنزلت حينها هذه الآيات الكريمة.
ولعلّنا نهتدي من الآية اللاحقة إلى أنّ بلوغ الإنسان درجة الاتحاد بين القول والفعل من أعلى رتب الإيمان ، ومن أصعب الأعمال ، وذلك يحتاج إلى سعي عظيم ومستمر. والجهاد الذي تحدّثنا الآيات التالية عنه وترغّبنا فيه من أبرز مصاديق هذا السعي ، وبالذات إذا كان تحت راية الوحدة.
[٣] وما أعظمها سيئة عند الله أن يقول المؤمن ما لا يفعل ، بلى. لو صدر ذلك من المنافق فهو من طبعه ، أمّا أن يدّعي أحد الإيمان ثم يتلبّس صفات النفاق فإنّه يضع نفسه هدفا لمقت الله.
(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)
قال الراغب : المقت البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح (١) ، ويقابله الحب ، ويبدو لي أنّه البغض المقارن للاحتقار ، ولا ريب أنّ الذين لا يحترمون كلمتهم وعهودهم ومواعيدهم و.. و.. يتخلّفون ويذلون وتحتقرهم الدنيا ، بل ويحتقرون أنفسهم. وهل تتخلّف الأمم إلّا بالعهود المنقوضة واختلاف القول عن العمل؟! ونحن ينبغي أن نبحث عن جذور تخلّفنا ، وأسباب انحطاطنا على ضوء هذه الآية الكريمة ، والتي لا ريب نجدها في التمني البعيد عن العمل ، والقول المجرّد عن السعي ، والعهد المنقوض ، والوعد المخلف ، واليمين الكاذب. وإذا
__________________
(١) مفردات الراغب / باب المقت