(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ)
وهذا التناقض بين علم بني إسرائيل بضرورة التسليم للرسول ، وبين موقفهم الفعلي حيث العصيان والأذى ، هو صورة للازدواجية المقيتة عند الله عزّ وجل التي حذّر الله المسلمين منها ، ولعل أوضح صورة لها تتمثل في قصة البقرة. وقد حذّرهم موسى ـ عليه السلام ـ من عواقب هذا الانحراف لكنّهم أصرّوا واستمروا فسلبهم الله الهدى.
(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)
وهذه نتيجة طبيعية لعصيان القيادة الرسالية ، ذلك أنّ هدى الله يتجلّى للناس عبر أوليائه والذي يحاربهم أو لا يسلّم لهم لن يهديه الله أبدا. وإزاغة القلب تعكس مدى الضلال الذي وقعوا فيه ، فهم في بادئ الأمر آذوه ـ عليه السلام ـ ولكن بقي في قلبهم علم بكونه رسول الله ، أي أنّ سلوكهم العملي منحرف وهم على شيء من الهدى معنويّا ، ولكنّهم حينما أصروا على الزيغ سلبهم الله تمام الهدى ، وانطفأت البقية الباقية من شعلة الإيمان في قلوبهم ، فصاروا كلّيّا على الضلال والفسق.
ولقد اعترض البعض على هذا التفسير وقالوا : إنّه لا يمكن أن يهدي الله أحدا ثم يضله ، إنّما المعنى : حوّلهم مما كانوا يحبون من النصر إلى ما كانوا يكرهون من الهزيمة ، وكانوا يحبون الراحة فأشقاهم. ولا داعي لهذا الاعتراض والتأويل لأنّ التفسير الأول موافق لظاهر القرآن وحقائقه.
[٦] ويؤكّد القرآن حقيقة الخط الواحد في رسالات الأنبياء على لسان نبي الله