عنها ، وهكذا انطلقت مسيرة المجتمع الإصلاحية حيث تحوّل من الشتات إلى الألفة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الجاهلية والتخلف إلى العلم والحضارة.
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ)
قال كثير من المفسرين أنّ «الأميين» هم الذين ينتسبون إلى مكة أم القرى ، ويحتمل أنّهم المتفرقون أمما وقيما ، والأظهر أنّهم الجاهليون ، إلّا أنّه ينبغي القول بأنّ الأمي والجاهلي ليس الذي لا يقرأ ولا يكتب فإنّ ذلك هو المعنى الحرفي الظاهر للكلمة ، فقد ينسب العالم الذي يقرأ ويكتب إلى الجاهلية والأميّة لأنه لا يتفاعل مع معارفه (١) ، وعدم القراءة والكتابة مظهر واحد من مظاهر التخلف والجهل ، وللجاهلية مظاهر شتى تصدق عليها جميعا كلمة الأمي التي يبدو أنّها غلبت لتشمل كلّ أبعاد الجاهلية ، ونستوحي ذلك من استخدام القرآن الحكيم لها في سياق حديثه عن أهل الكتاب وهم يقرءون ويكتبون وفيهم دعاة العلم إذ قال : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢) ، ولكن لماذا بعث الله في الأميين بالذات؟
١ / إذا أخذنا بالتفسير الأول (أنّهم أهل مكة) فذلك تجلّ لحكمة الله حيث يبعث رسله في مركز البلاد وأكبر مدنها وأهمها وحيث بؤرة الفساد والضلال ، فإنّ ذلك أكبر أثرا في التغيير.
٢ / وعلى التفسير الأظهر (أنّهم الجاهليون) نهتدي إلى أنّ الله يستنقذ البشرية
__________________
(١) قال الصادق (عليه السلام) : «كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ، ولا بعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الأميين» نور الثقلين ج ٥ ص ٣٢٢
(٢) البقرة / ٧٨