حينما تتجه حضارتها نحو الدمار والانتهاء.
ثم إنّ الله حين بعث رسوله في هذا الوسط المتدني في العلم عرفنا بأنّ الرسالة لم تكن تكاملا ذاتيّا وصلت إليه البشرية والمدنية ، كلّا .. إنّها كالغيث الذي ينزل من السماء على أرض جرداء فيملأها خصبا وجمالا. إنّها كما أشعة الشمس تهبط على وديان الظلام فتنشر عليها الضياء والروعة. إنّها تأتي من خارج إطار السياق التاريخي فتحدث فيه ثورة بديعة وتحولا عظيما لا نجد له أيّ تفسير إلّا في الرسالة ، وليس كما يدّعي البعض بأنّها حجر وعامل مساعد لعوامل حضارية لدى العرب ، فإنّ الدلائل التاريخية كلها تشير إلى وجود جاهلية (أمية) شاملة في كلّ الأبعاد في المحيط الذي بعث فيه الرسول (صلّى الله عليه وآله) عبرت عنها فاطمة بنت محمد (عليها السلام) بقولها عن أبيها : «ابتعثه الله إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حكمته ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكّفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، ومنكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصّرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الصراط المستقيم» (١) ، وقالت (عليها السلام) : «وكنتم على شفا حفرة من النار مذقّة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القدّ ، أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم» (٢).
وهناك سؤال : لماذا سمّي النبي أمّيّا ، وقال الذكر «رَسُولاً مِنْهُمْ» فما هي النعمة في أن يكون النبي أميا؟ قال الماوردي : الجواب من ثلاثة أوجه : أحدها لموافقته ما تقدّمت به بشارة الأنبياء ، الثاني : لمشاكلة حاله لأحوالهم فيكون أقرب
__________________
(١) الاحتجاج / ج ١ ص ٩٩
(٢) المصدر / ص ١٠٠