(صلّى الله عليه وآله) يقتصر على تعليم نصّ القرآن للمسلمين وحسب دون إرشادهم لأصول الاجتهاد ومناهجه لكانوا يقعون في مشاكل لا تنتهي.
ويبدو أنّ الحكمة الإلهية تستوحى من الآيات المحكمة التي يردّ إليها كل آيات القرآن وكل الحوادث الواقعة في الحياة ، ذلك لأنّ محكمات القرآن هي التي تذكّر الإنسان بالقيم الفطرية المرتكزة في ضميره ، وتثير دفائن عقله بالحقائق الكبرى التي يعرفها بذاته بعد التبصير بها .. وبكلمة : المحكمات القرآنية هي مرتكزات العقل الإنساني كالتوحيد والعدل والحرية والمسؤولية وما أشبه ، وهي التي تعتبر مصدرا للتشريع الإلهي ، كما يزعم المشرّعون الوضعيّون أنّهم يعتمدونها في تشريعاتهم.
وحينما يبلغ الإنسان درجة متقدمة من الوعي بهذه المرتكزات ، ويعقلها عقل دراية ، ويتعمّق في معرفتها ، هنا لك يصبح فقيها قد أوتي الحكمة ، وآنئذ يستطيع أن يستنبط سائر أحكام الشريعة منها ، كما يتمكن من اعتمادها في مواقفه السياسية والاجتماعية المتغيرة.
وأعرف الناس بالحكمة ، وأقدرهم على استنباط الأحكام الفرعية منها ، وأوعاهم لبصائرها ، هو الجدير بحكم الأمة ، لأنّه أقرب إلى القرآن من غيره ، ولأنّ القرآن هو الحاكم الأوّل في الأمة الإسلامية ، وإنّما يمثّله أوعى الناس له وأقرب الناس إليه ..
لذلك فإنّ الحكمة هنا تعني الولاية الإلهيّة والقيادة الشرعية ، لأنّها وعاء الحكمة ، وعيبة المعارف الربّانية ، ومرتكز البصائر القرآنية.
من هنا جاءت النصوص المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تفسّر من جهة الحكمة بالولاية ، وتبيّن من جهة أخرى أنّ الحكمة هي التفقّه في الدين.