لقد بلغوا من الضلال أبعد مدى حيث اتسموا بالتخلف في جميع شؤونهم ، فمن وأد البنات إلى قتل الأولاد وإلى التناحر والتطاحن ، إلى الفقر والمسكنة ، وهكذا كانت حركة الرسالة التي أنقذتهم من تلك الوهدة العميقة حركة من خارج السياق التاريخي لمجتمعهم. ولو كانت مجرد تكامل طبيعي داخلي لما استطاعت القفز بهم إلى تلك القيم السامقة وبتلك السرعة الخيالية ..
[٣] من غياهب ذلك التخلف البعيد وذلك الضلال المبين تعالى ذلك الصوت الميمون يدعو العالمين إلى ولادة جديدة ، إلى الانبعاث من ضمير الجاهلية ، إلى حياة الحضور الفاعل ، وسوف تتواصل أمواج الملتحقين بالركب من شعاب الأرض وعلى امتداد التاريخ لأنّها ليست دعوة مكية للعرب ، ولا دعوة قريشية لقريش ، ولا دعوة سياسية لذلك العصر. إنّها دعوة إلهية تتجاوز الجغرافيا والعنصر والزمن .. إنّما دعوة رسول الله ربّ العالمين إلى الناس كافّة ..
وسوف تتزود المسيرة الحضارية من القيم التي جاءت بها ، وتظل تأخذ بيد الإنسانية نحو الهدى والخير ، كما تتزود من الخط الرسالي والقيادة الشرعية التي تشكّل الامتداد الحقيقي للرسول قيادة وذكرا ، وهو لا ينقطع في كلّ زمان وجيل ، حيث لا تخلو الأرض من حجّة إلهيّة ، ولذلك يبقى الالتحاق بمدرسة النبي (صلّى الله عليه وآله) مركبه مستمرا مدى الحياة. تنتشر رسالته وتتوسع أمته بين الناس.
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
من هم الآخرون الذين يتوقّع التحاقهم بركب الرسالة؟
قالوا : إنّهم سائر العرب الذين آمنوا من بعد. وجاء في حديث مستفيض مأثور