عن رسول الله أنّهم قوم سلمان الفارسي .. الحديث يقول : عن أبي هريرة قال : كنّا جلوسا عند النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا نزلت عليه سورة الجمعة ، فلمّا قرأ : «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ» قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي (صلّى الله عليه وآله) حتى سأله مرّة أو مرتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، قال : فوضع النبي (صلّى الله عليه وآله) يده على سلمان ، ثم قال : «لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجال من هؤلاء» (١)
وجاء في حديث آخر عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) : «إنّ في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب ، ثم تلا هذه الآية» (٢)
وقد اختتمت الآية الكريمة باسمي العزيز والحكيم لأنّ لحاق الآخرين بمسيرة الأمة الإسلامية ، وامتداد الرسالة فيهم عبر الزمن ، مظهر لهذين الاسمين ، إذ يعزّ الله بهم دينه بين الأمم في سائر الأزمان ، وتتجلّى فيهم عزّته بين الناس ، كما أنّ من حكمته أنّه لم يجعل امتداد المؤمنين برسالته في المجتمع المعاصر للرسول وحسب ، إنّما جعله عبر الأجيال والأزمان أيضا ليبقى مشعل الحق يحمله اللاحقون بعد السابقين ، تتوسع بهم الأمّة وتستمر مسيرتها.
ومن تجلّيات اسم الحكمة لربنا العزيز أنّه لم يخص الجيل المعاصر للرسول بفضل الإسلام بل جعل الآخرين شركاءهم في الفضل بقدر درجاتهم الإيمانية ومساعيهم الحميدة ، وهو القائل : «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ».
[٤ ـ ٥] وتنتظم الآية الرابعة في هذا السياق لتلغي أيّ تصوّر محدود عرقي أو قومي للرسالة بأنّها تخص أهل مكة أو العرب فقط ، مؤكّدة بأنّ الهداية إلى الحق
__________________
(١) القرطبي / ج ١٨ ص ٩٢
(٢) المصدر / ص ٩٣