مكرمة إلهيّة يهبها الباري لمن يشاء من خلقه.
(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ)
أمّا اللغة واللون والحسب وسائر الصفات والمقاييس المادية فليست فضلا بذاتها حتى يفتخر العربي على العجمي ، أو الأبيض على الأسود ، أو ذي القرابة على البعيد ، كلّا .. وحيث يختص هذا الفضل بالله عزّ وجل وهو صاحب الخيرة الذي لا يسأل عمّا يفعل فليس لأحد أن يدّعي اختصاصه به من دون الناس ، كما صنعت اليهود والنصارى ، واختلقت لذلك ألوانا من الفلسفات الشركية التي تصوّر الله مغلولا أو رهن إرادات خلقه ، سبحانه عمّا يصف المشركون.
(يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
في إنقاذ الناس من الجاهلية والضلال المبين إلى نعمة الطهارة والعلم والهدى ، وليس ما زعمها البعض في تحليله للتغيّر الحضاري الذي حدث في تاريخ شبه الجزيرة بأنّه راجع إلى حالة من التكامل الطبيعي الذي يقع عند الأمم ، كلّا .. بل هو فضل إلهي ، وينفي قوله : «يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» أنّ التاريخ ليس بالضرورة في مسيرة هابطة ، كما زعم البعض اعتقادا منهم أنّ الجيل الأوّل يكون أبدا أفضل الأجيال ، كلّا .. إنّ ربّنا ذو فضل عظيم ، فأيّ جيل في أيّ عصر وفي أيّ بقعة اتجه إلى الله عمّه الله بفضله الكبير.
وهذه الآية من جهة أخرى مدخل لانعطاف السياق نحو الحديث عن اليهود ، الذين زعموا بأنّ فضل الله (رسالته ورسله) خاص بهم ، ولم يتحمّلوا مسئولية الرسالة ، إنّما راحوا يتشبثون بالقشور ، وجعلوا مجرّد اختيار الله لهم لرسالته فضل ،