يفتخرون به ، ويتهرّبون باسمه من الالتزام بمسؤوليّاتهم .. بلى. إنّ رسالة الله فضل عظيم ، ولكنّ أحدا لا يبلغ الفضيلة والكرامة بها إلّا بالعمل وتحمّل المسؤولية ، أمّا أن يكتفي العرب بمجرد أنّ الرسول كان منهم ، وأنّ الآيات تنزّلت بينهم ، فإنّه أمر خطير ينتهي بهم إلى ما انتهى إليه اليهود من قبلهم فصاروا كما وصف الله تعالى :
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)
تحتوي العلم ولكنّه لا ينتفع بها شيئا ، وفي هذا التشبيه دقة بالغة ، فإنّ حمل الرسالة ليس باقتناء نصوصها في الجيب ورفوف المكتبة أو بجمعها وحملها على الرأس والكتف ، كلّا .. وإلّا فالحمار أقدر على حمل عدد أكثر ووزن أكبر من أسفار الرسالة ، إنما حمل الرسالة بتطبيقها والالتزام بها في الحياة ، لأنّها قيم وليست مادة. ولعل المثل موجّه إلى علماء السوء الذين لم يرعوا أمانة العلم والدين ، بل استغلّوها في الوصول إلى المصالح الشخصية والشهوات ، لأنّهم أبرز مصاديق المحمّلين لمسؤولية الرسالة ، وليس من أحد يشك في أنّ الانحراف الذي وصل إليه اليهود ، ولا زالوا مرتكسين فيه ، كان بسبب أدعياء العلم والدين. أو ليسوا اليوم يحاربون الإسلام باسم التوراة؟ أو ليسوا ينتهكون حرمة المسجد الأقصى باسم الدين وبفتاوى الأحبار؟ أو ليسوا يمارسون الظلم والإرهاب ضد الناس؟ بلى. فليست التوراة إذن هي التي تملي عليهم ذلك ، لأنّها رسالة الله ـ رسالة الألفة والمحبّة والسلام ـ. إنّ الله كرّم الإنسان على كثير ممّن خلق وفضّله تفضيلا ، ولكن بأيّ شيء؟ هل بضخامة جسده وقوته المادية؟ كلّا .. فإنّ كثيرا من الأحياء أقوى منه جسدا وأكبر ، ولكن إنّما كرامة الآدمي بالعقل وباتباع رسالات الله ، فما ذا بقي لدعاة التوراة وهم يخالفون هدى العقل ، ويكذّبون رسالة الله ، سوى أن يشبّهوا