فضائحهم إنّما هو مارق يجب قتله ، فهم من دون الناس شعب الله المختار ، بيد أنّ القرآن يضعهم أمام محك وجداني ليفضح مزاعمهم ، بامتحانهم من خلال أعمق الصفات تجذّرا في نفوسهم ألا وهي حب الحياة والبقاء ، (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (١)
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
والسؤال : هل يصلح هذا التحدي محكّا لمعرفة صدقهم أو عدمه ، فهب أنّهم سألوا الله الموت فهل يثبت ذلك أنّهم أولياء الله؟ ونجيب أنّ هذا التحدي يحمل على ثلاثة معاني :
الأوّل : أنّ اليهود الذين باهلهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) يومئذ كانوا يموتون لو تمنّوا الموت تلك اللحظة ، قال رسول الله : «لو تمنّوا الموت لماتوا عن آخرهم» (٢).
الثاني : أنّ أولياء الله بصدق يموتون لو طلبوا منه لقاءه بالموت لثقل دعائهم في ميزانه عزّ وجل.
الثالث : أنّ التمني هنا مقياس من زاويته الوجدانية ، وليس مجرد الحديث عنه ، بينما اليهود أشبعوا في قلوبهم حبّ الدنيا وحبّ البقاء بحيث لم يكن يتمنّى أحدهم الموت أبدا ، وذلك بسبب كفرهم بالآخرة وعلمهم بأنّهم لا يملكون فيها شيئا ، وهذا مقياس يميّز أولياء الله عن غيرهم ، فإنّه مكتوب في التوراة :
__________________
(١) البقرة / ٩٦
(٢) تفسير البصائر / ج ٤٦ ص ١٨٧