الله متوازنا في أصوله وأحكامه بحيث لا يتضخم بسببه جانب في حياة الإنسان على حساب جانب آخر ، فهو منهج الدنيا والآخرة ، والدين والسياسة ، والروح والجسد ، وحيث تتكامل شخصية الإنسان بالوصول إلى المصالح المشروعة من جانب وبالتزام الواجبات المفروضة من جانب آخر فقد دعاه الدين إلى مصالحه جنبا إلى جنب دعوته للالتزام بواجباته ، ولم يجعل فروضه بديلا عمّا يطمح إليه الناس من المصالح والتطلعات ، ولذا نجد القرآن فور ما يأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة يأمر بالانتشار لممارسة الحياة الطبيعية وبلوغ المآرب والأهداف ، والحصول على الرزق ولقمة العيش. وإنّ الدعوة للصلاة يوم الجمعة وتحريم البيع حينها هي منهجية لتأسيس انتشار الإنسان المؤمن لابتغاء فضل الله على هدى القيم والإيمان.
(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)
كلّ إلى مقصده. وهذه الدعوة المنطوية على الأمر بالسعي لشؤون الدنيا تهدينا إلى أنّ الصلاة والعبادة ليست بديلا عن ممارسة الحياة الطبيعية والاجتماعية ، كما فهمها بعض المتصوّفة ، فالدين منهج لتوجيه الإنسان وقيادة الحياة ، يجد الناس فيه فرصة للعبادة ومنهجا للسعي والعمل ، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) يفسّر هذه الآية : «إنّي لأركب في الحاجة التي كفاها الله. ما أركب فيها إلّا التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال. أما تسمع قول الله عزّ اسمه : الآية أرأيت لو أنّ رجلا دخل بيتا وطيّن عليه بابه ثم قال : رزقي ينزل علي أكان يكون هذا؟ أما إنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم ، قال الراوي قلت من هؤلاء؟ قال : ... والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ، ولا يطلب ، ولا يلتمس حتى يأكله ، ثم يدعو فلا يستجاب له» (١) بلى. إنّ فضل الله ورزقه ينال بالسعي والعمل الحثيث من أجله ، لذلك يقول تعالى بعد الدعوة للانتشار :
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٣٢٧