خوف أن يفوتهم ذلك أو يسبقهم الآخرون إليه ، وهذه الظاهرة تنطوي على هزيمة أمام جموح النفس وميلها العظيم للدنيا ، ممّا يكشف عن ضعف الإيمان الذي يريده الإسلام مقدّما وما يتصل به على كلّ شيء في حياة أبنائه. وقد استفاد الفقهاء والمفسرون حكما باستحباب الوقوف أثناء خطبتي الجمعة من هذه الآية إذ وصفت الرسول قائما بعد الانفضاض. وعن أبي بصير أنّه سئل عن الجمعة : كيف يخطب الإمام؟ قال : يخطب قائما فإنّ الله يقول : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) (١).
ويعالج القرآن هذه الظاهرة السلبية التي تنمّ عن ترجيح التجارة واللهو على حضور الصلاة ببيان أنّ ما عند الله الذي يتأتّى بالتزام مناهجه خير من ذلك كلّه. والآية نفسها فضح للاعتقاد بالتناقض بين الالتزام بالدين وبين الدنيا ، والذي يقع فيه البعض عمليّا فلا يرون إمكانية الجمع بين الإثنين فيرجّحون الدنيا باعتبارها الأجر المقبوض على الآخرة المؤجّلة. والحقيقة أنّ خير الالتزام بمناهج الله في الحياة ليس مقتصرا على الآخرة فقط ، بل يشمل الدنيا أيضا.
(قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
فالذي يريد كلّ الخير معنويّا وماديّا ، وفي الدنيا والآخرة «ما عند الله» فإنّ سبيله اتباع نهجه القويم ، وأيّ خير في تجارة لا تقوم على هدى الوحي وتقوى الله؟ إنّها تزرع الطبقية المقيتة ، والفقر ، وتسبّب الانحطاط في الإقتصاد.
وفي ترتيب كلمات الآية الكريمة ملاحظة جديرة بالالتفات ، ففي البداية عند ما أراد الله بيان ظاهرة الانفضاض عن الصلاة قدّم التجارة ـ وهي الأهم ـ على اللهو ، وذلك ليبيّن مدى ترجيح البعض لأمور الدنيا على شؤون الدين ، فهم ليس
__________________
(١) المصدر / ص ٣٣٠