والجنة هي الترس والستر ، والمنافقون يتدرّعون بكثرة القسم والأيمان المغلظة في إظهار الإيمان بهدف إخفاء ما هم عليه من الكفر والانحراف ، وهذه من طبيعتهم في كلّ زمان ومكان ، وليس الأيمان منحصرة في صيغ القسم المتعارفة : والله ، وبالله ، وتالله) بل هي شاملة لكل ما من شأنه تأدية نفس الغرض من كلام أو سلوك يقوم به الإنسان ليصدقه الناس وليطمئنوا إليه ، مثل رفع الشعارات المتطرفة والمبالغة في الاهتمام بالقشور ، فمثلا : نجد بعض الأنظمة العميلة للغرب ترفع شعارات يسارية متطرفة لإخفاء واقعها المناقض ، كما نجد بعضها تبالغ في بناء المساجد واتهام الآخرين بالمروق من الدين ، فيما نجد هذا النظام كما ذاك متورطا حتى النخاع في العمالة والخيانة والفسق.
وقد سمّى القرآن الأيمان جنّة ليس لأنّها تستر حقيقة المنافقين بل لأنّهم يتحصنون بها عن ردّات فعل المؤمنين والمجتمع التي تتوجه ضدهم لو انكشفت لهم حقيقة هذا الفريق الضال.
وثمّة دور خبيث وخطير يقوم به المنافقون في الخفاء هو صد الناس عن سبيل الله المتمثل في القيم الرسالية ، والمتمثلة هي بدورها في حزبه وخطه في المجتمع ، وكلاهما يتجلّيان في نقطة مركزية هي القيادة الرسالية فهي سبيل الله (١). ومع ما يتكلّف المنافقون إظهاره بمختلف الإيمان من الإيمان بها إلّا أنّهم يحاربونها ويصدون الناس عنها. وما شهاداتهم وأيمانهم المعلنة إلّا فخاخ الشيطان ، وهذه صورة لكذبهم الذي يشهده الله.
(إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)
__________________
(١) هناك اخبار كثيرة تفيد هذا المعنى ، قال الامام ابو الحسن (ع) : «والسبيل هو الوصي» نور الثقلين / ج ٥ ص ٣٣٤