وتأتي هذه الخاتمة لتؤكّد بأنّ المنافقين يحسنون صناعة الكلام والشعارات البرّاقة ، ويبرعون في إظهار الولاء للقيادة ، ولكن ينبغي أن لا ينخدع المؤمنون بهم فإنّ أعمالهم مناقضة لأقوالهم بالكامل. وهاتان الآيتان تعطيان صورة واضحة للنفاق والمنافقين يمكن التعبير عنها بعملة ذات وجهين : أحدهما المظهر الحسن والآخرة المخبر السيء ، أحدهما الوردة النضرة الجميلة والآخرة الشوكة السامّة.
ومن منهجية القرآن في نقد الأعمال والأشخاص أنه عند ما يذكر عملا سيئا (كالصد عن سبيل الله) يؤكّد سوءة حتى لا يصبح القائمون به مثلا يحتذي به ، بل أمثولة يحذر منها. ولعل كلمة «ساء» تهدي إلى أنّ أعمال المنافقين تترك آثارا سيئة في أنفسهم وفي المجتمع.
وليس بالضرورة أن يتحقّق الصد في لا وعي الناس ، بل يكون أحيانا في نتيجة الضغوط المختلفة التي يمارسها المنافقون ضدهم ، كالإرهاب البدني والفكري والسياسي والضغط الاجتماعي والاقتصادي جنبا إلى جنب الإشاعات المؤذية ونشر الثقافة السلبية التي هي وسائل الطغاة والمنظمات العميلة لتضليل الناس ومحاربة القيادات الرسالية ، وإنّ أخطر فئات المنافقين على الدين والناس هم علماء السوء. وقد أكّد أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ هذه الحقيقة لأنّهم يتلبّسون بمظاهر الإسلام ليخدعوا الناس ، قال ـ عليه السلام ـ : «وإنّما أتاكم الحديث عن أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنّع بالإسلام ، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ متعمّدا ، فلو علم الناس أنّه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدق ، ولكنّهم قالوا هذا صحب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورآه وسمع منه وأخذ عنه وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بما أخبره ووصفهم فقال عزّ وجل : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ، ثم بقوا بعدهم فتقرّبوا إلى