أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولّوهم الأعمال ، وحمّلوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة» (١).
[٣] ونستفيد من خاتمة الآية السابقة أنّ النفاق الذي وصل إليه هذا الفريق لم يكن وليد لحظته ، إنّما كان نتيجة تراكمات لسوابق أعمالهم السيئة التي لم يتطهّروا منها حينما دخلوا دار الإسلام ، وهذه الفكرة تقودنا إلى التأمل في قوله عزّ وجل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٢) ، فلا تستقيم مسيرة الإنسان العاكف على الخطايا في ردح من عمره إلّا بالتطهّر عن السوابق السيئة بالتوبة المستمرة ، لأنّ آثار الذنب تهدّد بالانحراف في أيّ لحظة. لذلك يقول ربنا سبحانه :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا)
فهم حين اختاروا الإيمان ربما كان ذلك نتيجة نفحة إلهية تعرّضوا لها ولحظة إشراق عمّت صدورهم وقرّروا الإيمان (٣) ، ولكنّهم لم يكنسوا من أنفسهم رواسب الضلال السابقة فنمت من جديد إلى حدّ غيّرت مسارهم إلى الطريق الآخر.
(ثُمَّ كَفَرُوا)
وكان ينبغي لهم أن يرسخوا الإيمان في قلوبهم وسلوكهم ويعمدوا إلى التطهّر من سوابق الضلال ودواعيه فلم يفعلوا فعادوا إلى الكفر اتباعا للأهواء والمصالح ، أو كان إيمانهم إيمانا سطحيّا دعتهم إليه الظروف والمصالح فلمّا وجدوا الفرصة
__________________
(١) المصدر نقلا عن أصول الكافي. وإنّه لجدير بنا أن ندرس تاريخنا وواقعنا على أضواء هذه الرواية العظيمة
(٢) البقرة / ٢٢٢
(٣) لقد مرّت الإشارة إلى هذه الفكرة عند تفسير الآيتين : ١٧ ـ ٢٠ من سورة البقرة فراجع