المناسبة رجعوا إلى شخصياتهم الحقيقية.
وحينما يتمادى الإنسان في الانحراف ويصر على الكفر يصل إلى درجة تموت في نفسه جذوة الإيمان ، وينطفئ عنها نور الهدى (العقل والفطرة والإيمان) فلا يحدث نفسه بالهداية ولا يرتجى له ذلك. وهذه المرحلة يسمّيها القرآن بالطبع.
(فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ)
ولكن لم يكن هذا الطبع جبرا من الله فرض عليهم ، وإنّما كان نتيجة اختيارهم الحر للكفر بعد الإيمان والتمادي فيه. ولأنّ حكمة الخلق كانت الرحمة الإلهية (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١) فإنّ الله لا يطبع على قلب أحد إلّا إذا علم أنّه يستحق ذلك ، ولا يمكن أن يهتدي في المستقبل. والطبع في أحد وجوهه لون من العذاب في الدنيا بسلب حلاوة الإيمان والهدى ، أمّا في الآخرة فإنّه يؤدي إلى الخلود في العذاب الأليم.
وفي هذه الآية بيان المراحل الانحطاط التي يمرّ بها المنافقون وهي ثلاث : الإيمان ، الكفر بعده ، الطبع على القلوب) ، كما تنطوي على تحذير للمؤمنين بأنّهم معرضون للوقوع في النفاق عبر تلك المراحل. أو ليس أولئك بدأوا مؤمنين وانتهوا إلى منافقين؟ إذن فكل مؤمن يمكن أن يصبح منافقا في يوم من الأيّام إن لم تبق أسباب إيمانه ، لأنّ الإيمان كيان متكامل قائم على أساس مجموعة من العقائد والسلوكيات والأعمال ، والكفر هو الكيان المناقض له ، فكلّما انسحب الإنسان خطوة من دار الإيمان وكيانه دخل بقدرها دار الكفر وكيانه ، فالصدق والأمانة والوفاء من الإيمان ، والكذب والخيانة والخلف من الكفر ، والتعبير الحسن عن هذه الحقيقة نجده في نصوص الروايات أنّ الخلق الفلاني شعبة من النفاق أو خصلة من
__________________
(١) هود / ١١٩