ثانيا : أنّ الموارد الاقتصادية ليست حكرا على المنافقين حتى يكون منعهم أو حصارهم سببا في شلّ الحركة الرسالية ، إنّما الموارد وأسباب الغنى موجودة في الطبيعة ولها سبلها ومناهجها التي يمكن أن يأخذ بها المؤمنون فيستقلّون عن الآخرين. وإنّ الله الذي أغنى أولئك لقادر على إغنائهم لو توكّلوا عليه وفتحوا خزائنه بالتسليم له والعمل بمناهجه.
(وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
وهذه الآية وآيات أخرى في القرآن تشير إلى أنّ المنافقين الذين ينتمون في الأغلب إلى الطبقة المترفة يحاولون بما لديهم من قوة اقتصادية أن يؤثّروا على مسيرة الحركات الرسالية والمجتمع وتحريف مسيرتهما ، وحيث يدعمون بعض المشاريع فلكي يجدوا من ورائها بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وإلّا فإنّهم غير مستعدين للإنفاق المخلص لوجه الله فقط! ولذلك تراهم يتوقفون عن الدعم ويرفعون سلاح الإقتصاد في وجه القيادة بمجرّد أن تكون مصالحهم وشهواتهم غير مؤمّنة من قبلها. وتكفي هذه الآية تحذيرا للقيادة الرسالية من مكر المترفين وخططهم السيئة عند التعامل معهم. ولعلّنا نستفيد من هذا السياق تحريضا لطيفا للمؤمنين نحو وجوب الاستقلال والاكتفاء الذاتي في الإقتصاد باعتباره ركيزة الاستقلال السياسي والعزّة ، وذلك كلّه كامن في التوكّل على الله والاعتماد من بعده على سواعد الرجال وألبابهم التي يفتح الله بها خزائنه عليهم ، حيث أنّ الحرب الاقتصادية واحدة من أساليب صراع المستكبرين مع الرسالة وعلى حملة الرسالة أن يستعدوا لهذه الحرب منذ البداية بالاجتهاد في جمع المال ، والتقشّف في صرفه ، والاكتفاء الذاتي في مختلف الحقول.
وقد استطاع الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يبني حركة مستقلّة لا يضرّها المحاصرة الاقتصادية شيئا. وهذه الحقائق كلّها غائبة عن أذهان المنافقين لكونهم