وخداعه.
٣ ـ كما تشير الآية إلى أنّ المنافقين قد بنوا لهم قاعدة في المجتمع حيث أعطوا الرجوع إلى المدينة تلك الأهمية ، لأنّهم يتحرّكون داخلها بجبهة عريضة هي جبهة النفاق وأنصارها.
وقد غاب عن أذهانهم وعي ذلك التحوّل العظيم في القيم الذي أحدثه الإسلام في المدينة ، وكيف تسامى أهلها فوق قيمة الوطن والعشيرة والمال والسنّ وكلّ القيم الجاهلية الأخرى ، واستعاضوا عنها بالإيمان والكفاءة والعلم ، وهكذا أصبحوا لا يرون العزّة إلّا من خلالها ، فكيف يستطيع المنافقون إذن أن يمضوا خططهم ويصلوا إلى أهدافهم في مجتمع هذه أفراده؟
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)
وليست العزّة بالمال فقط ، فقد يكون تجمّع المؤمنين فقيرا نسبيّا ولكنّه مجتمع مستقل متماسك فاعل ويعتمد من القيم ما يعطيه القدرة على التوسع والامتداد ، ومجتمع المدنية المؤمن ليس مستعدا للدفاع عن العظام البالية ، ولا عن الرجعية المهترئة بما تعنيه من القيم الفاسدة.
(وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)
لقد تبدّلت الشرعية في مجتمع المدينة فأصبح محور المجتمع المدني الوحي ، فبينما كانت قائمة على قيمة القبيلة أصبحت الآن قائمة على القيم الربانية. إنّ الله قال كذا .. ونحن عباده فيجب أن نطيعه ونعمل بقوله. وقد تمثلت هذه الشرعية الجديدة في موقف عبد الله بن عبد الله ابن أبي حيث منع أباه (رأس المنافقين) من دخول المدينة فلم يدخلها إلّا بشفاعة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ له ، وأعظم من ذلك