لحاظات ، إمّا بيقظة الضمير أو بموعظة داعية ، أو من خلال اصطدامه بمشكلة تنبّهه إلى خطئه ، ولكنّه في الغالب لا يلزم نفسه الحقّ مباشرة ، إنّما يسوّف التوبة ، ويستمرّ في الفتنة حتى تفوته الفرصة ، والإمام علي (ع) يحذّر من هذه الحالة إذ يقول : «فاتقى عبد ربّه ، نصح نفسه ، وقدّم توبته ، وغلب شهوته ، فإنّ أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشيطان موكل به ، ويزيّن له المعصية ليركبها ، ويمنّيه التوبة ليسوّفها ، إذا هجمت عليه منيّته أغفل ما يكون عنها ، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة ، وأن تؤديه أيّامه إلى الشقوة» (١).
المرحلة الثالثة : الارتياب والشك.
(وَارْتَبْتُمْ)
إن الله يبصّر الإنسان بالحق ، ويبيّن له الخطأ الذي هو عليه ، فإنّ أقدم على التغيير اهتدى ، وإلّا فإنّ التربّص يحوّل يقينه إلى شك ، والإمام علي (ع) يقول : «لا تجعلوا علمكم جهلا ، ولا يقينكم شكّا ، إذا علمتم فاعملوا ، وإذا أيقنتم فاقدموا» (٢) ، والإنسان حينما يقدم عمليّا على الالتزام بالحق تتعمّق قناعته به ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٣) ، وفي غير هذه الصورة يبدأ يشكّك نفسه ليتخلّص من وخز الضمير وملامة النفس اللّوامة ، فإذا نصحه إخوانه بالأوبة إلى هذه الصورة أخذته بالعزّة بالإثم ، وأنكر الحق ، وقال كما قال الكافرون للذين آمنوا : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) (٤) ، وهذه الصفة تنفي انتماءهم للمؤمنين لقوله تعالى بالحصر : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا
__________________
(١) نهج / ح ٦٤ ص ٩٥
(٢) نهج / حكمة ٢٧٤
(٣) العنكبوت / ٦٩
(٤) الأحقاف / ١١