(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ)
قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين هذه الآية إلّا أربع سنين ، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا ، وقيل : أنّ الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشر سنة من نزول القرآن بهذه الآية (عن ابن عباس) ، وقيل : كانت الصحابة بمكة مجدبين فلما هاجروا وأصابوا الريف والنعمة فتغيروا عمّا كانوا عليه ، فقست قلوبهم ، والواجب أن يزدادوا الإيمان واليقين والإخلاص ، في طول صحبة الكتاب (عن محمد بن سعد). ومع اختلاف هذه الأقوال إلّا أنّها تلتقي في نقطة واحدة هي أنّ الآية جاءت تعالج تحوّلا سلبيّا في حياة الأمّة ، وهذا يظهر عناية الله من خلال وحيه ببناء المجتمع المؤمن وتوجيه حركته نحو الحق والأهداف السامية ، ولكنّ الله لا يبدأ العلاج من الظواهر ، إنّما يوجّه الرسول والمؤمنين أنفسهم إلى جذور المشكلة ، ألا وهي القلوب التي تغيّر موقفها من ذكر الله ومن تطبيق الرسالة. لقد كانوا في البدء أمّة مؤمنة حقا ببركة ذكر الله ، وكانوا ملتزمين غاية الالتزام بالحق ، يتسابقون إلى تطبيق الرسالة ، ويسلّمون لما فيها تسليما ، أمّا الآن فقد بدأ الخشوع ينحسر عن قلوبهم ، كما صاروا يتباطئون في تطبيق رسالة ربّهم ، ويتخلّصون عن دعوة قيادتهم إلى الإيمان والإنفاق ، وهذا لا ريب إن لم يبادروا إلى علاجه سوف يخرجهم من دائرة المؤمنين. أو ليس الله يقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (١)؟!!
فلما ذا إذا لا توجل قلوبهم ، ولا يزدادون إيمانا ، ولا ينفقون؟! الإشكال ليس
__________________
(١) الأنفال / ٢ ـ ٤