في قلّة ذكر الله ، ولا في قلّة الآيات ، ولا في عدم وجود الواعظ ، فهذا الرسول يصيح فيهم : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا) ويدعوهم للإيمان والآيات بيّنة مستفيضة متواصلة ينزّلها الله على عبده ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ولكنّ الإشكال في قلوبهم المريضة.
ولنا أن نعرف كم ينبغي أن يكون القلب مريضا وقاسيا حتى لا يتأثّر بالقرآن إذا تدبّرنا في قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١) ، فلم لا يحرّض القرآن المؤمن على الخشوع ، والخشوع هو الذي يجعل الإنسان مستعدا للتسليم إلى الحق نفسيّا ، وتطبيقه عمليّا في الواقع؟
وتأكيد القرآن على أنّ ما نزل حق يهدينا إلى أنّ قسوة القلب تورّط الإنسان في الباطل ، وهناك علاقة متينة بين ذكر الله وبين رسالته النازلة من عنده ، لأن الله تعالى يتجلّى في كتابه.
وفي الشطر الثاني من الآية يلفتنا القرآن إلى تجربة أهل الكتاب لنتعظ بتجارب الأمم الأخرى. إنّهم كما الأمّة الإسلامية أوتوا كتابا من عند الله ، أنقذهم من الطغاة كفرعون ، وأخرجهم من الظلمات إلى نور الإيمان والعلم ، ولكنّهم ابتلوا بقسوة القلب فما ذا كانت عاقبتهم؟
(وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ)
وكان ينبغي أن يطبّقوا ما فيه حتى يصلوا إلى أهدافهم وسعادتهم ، ولكنّهم كانوا لا يريدون تحمّل المسؤولية فراحوا يلتفّون على آياته ، ويتخلّفون عن تطبيقها ،
__________________
(١) الحشر / ٢١