لأنهم يريدون إيمانا بلا تكلفة وتضحية ، ومجدا بلا مشقة وسعي ، فعلموه أماني كما قال تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (١) ، وبدل أن تكون الرسالة قائدهم وإمامهم يكيّفون أنفسهم وفقها ، أصبحوا يفرضون شهواتهم عليها ، ويحرّفون الكلم عن مواضعه ، وربما عادت بينهم كتابا مألوفا ، وجزء من التراث ، فوقفوا عند حروفه وكلماته دون العمل به.
ولأنّهم فعلوا ذلك ما عاد الكتاب ينفعهم فتبدّل إيمانهم به إلى الشك فيه ، وارتابوا في بشائره ووعوده ، والحقّ الذي اشتمل عليه ، وحيث تعاقبت الأجيال الواحد تلو الآخر وهم ينتظرون شيئا من ذلك يتحقّق دون جدوى ـ لأنّهم اتخذوه أماني ولم يسعوا إلى تطبيقه ـ انتهت في نفوسهم جذوة الإيمان ، بالذات وأنّ كلّ جيل يأتي يورث سلبياته الذي بعده.
(فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ)
لقد ابتعدوا عن الدّين كل جيل بمسافة بعده عن جيل الروّاد الأوائل ، الذين آمنوا بالكتاب حقّ الإيمان ، وطبّقوا ما فيه كما أراد الله ، ولأنّهم نبذوا الكتاب الذي به حياة القلوب ذهب خشوعهم ، وقد جاء في الأثر عن الإمام الصادق (ع) : لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت ، ويقيمون للناس حجتهم وأمر دينهم ، يتوارثونه كابر عن كابر (عظيما عن عظيم) حتى كان زمن عدنان ابن أدّد «فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ» وفسدوا ، وأحدثوا في دينهم ، وأخرج بعضهم بعضا (٢) وإذا صحت الروايات والتفاسير التي تقول بأنّ الأمد طال على المؤمنين من أهل الكتاب في انتظار الرسول (ص) الذي ينصرهم على أعداء الله ، ويخلّصهم من الضلال والعذاب ، فإنّنا نهتدي إلى أحد أسباب قسوة القلب بعد طول
__________________
(١) البقرة / ٧٨
(٢) نور الثقلين / ج ٥٤ ص ٢٤٢