الأمد هو اليأس من روح الله ، والشك في وعد الله الذي لا يخلف!
وهذه المشكلة يمكن أن تتورّط فيها الكثير من الحركات الإسلامية ، خصوصا تلك التي تناضل من خارج الوطن ، حيث يخشى أن تتناقص فيها تلك الحيوية والفاعلية التي كانت لديها عند انطلاقها ، وقد يصاب بعضهم بالاسترخاء نتيجة الرضا ببعض المكاسب الأولية التي يحصلون عليها ، فإذا بالدنيا تحلو في أعينهم فيخلدون إلى أرض الخفض والدّعة ، ويرفضون خشونة الجهاد وعنف المواجهة ويبدءون مسيرة التبرير ، ويرفعون شعار المعاذير ويحرّفون الكلم عن مواضعه ، كما حدث لقوم موسى (ع) «إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً» فراحوا يجادلونه وتباطأوا في تطبيق قراراته (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (١) ، ومرّة أخرى حينما دعاهم إلى اقتحام بيت المقدس : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ .. قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢).
(فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)
لماذا كان طول الأمد سببا لقسوة القلب؟
لعلّ في الآية إشارة إلى قانون الدورات الحضارية الذي ذهب إليه كثير من فلاسفة التاريخ فقالوا : كما الإنسان الفرد يمر بمراحل الصبا فالشباب والكهولة ثم الشيخوخة والهرم ، كذلك المجتمع الإنساني يمر بذات المراحل ، فأيّام شبابه تكون عند ما تبعث فيه فكرة خلّاقة فتفجّر طاقاته ، ولكن مع مرور الزمن يغفلون الفكرة الحضارية التي آمنوا بها بسلبياتهم وشهواتهم ، ويفقدون روح التحدي والتضحية ،
__________________
(١) البقرة / ٦٧ ـ ٧١
(٢) المائدة / ٢١ ـ ٢٤