ويصيرون إلى ما يشبه حالة الشيخوخة ، وربما نستوحي هذه الفكرة من قوله سبحانه : «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ».
وهكذا أشارت الآية إلى هذا القانون الطبيعي لكي نتحداه ، ولا ندع طول الأمد يسبّب فينا قسوة القلب.
ثم إنّ فلاسفة التاريخ قسموا الأجيال في كل حضارة إلى ثلاثة : جيل البناة ، وجيل الرعاة ، والجيل الذي يليهما والذي تتوقف الحضارة عندهم عن التطور والإبداع. ولكنّ الفضل بين الأجيال الثلاثة ليس فصلا دائما ، إذ قد تتعايش في برهة زمنية واحدة نماذج من هذه الأجيال جميعا ، فتجد طبقة من الناس لا يزالون في حالة الزيادة وهم الذين قد تمكنت الفكرة الحضارية من أنفسهم ، بينما تجد في ذات الوقت طبقة من الناس منافقين يبحثون عن مصالحهم ويحرفون الكتاب بما يتلاءم وشهواتهم ، وتجد آخرين ممن يعيش الحالة الوسطى بين الحالتين.
بلى. إنّ الأغلب هو تلاحق هذه الأجيال ، إلّا أن قدرة الإنسان على تحدي الظروف المعاكسة ، واغراءات الدعة والرخاء تعطي الناصحين فرصة إصلاح الناس ، ومقاومة عوامل الانحراف!
فقد ينبعث في الجيل الثالث في المسلمين وما بعده مصلح كبير يفسر القرآن بما ينسجم وتحديات عصرهم ، ويعيد إليهم نضارته وطراوته وصفاءه بعيدا عن زيف التحريفيين ، وتأويل المعذرين ، ولعله إلى ذلك تشير الأحاديث التي تؤكد على ظهور مجدد للدين على رأس كل قرن من الهجرة النبوية الشريفة.
والآية الكريمة التي نفسرها لا تستصدر حكما قطعيا واحدا على كل أهل الكتاب ، إنّما تفرق فيهم بين جيل وجيل ، فهناك المؤمنون حقا كما يؤكد القرآن