كأنها مقبرة مهجورة؟ انظر الى الحياة التي تدب فيها ، وتفكر في قدرة الله ، أليس الذي أحياها بقادر على ان يحيي ميت القلوب؟ فما ذا اليأس؟
بلى. قد تحيط بالمؤمنين ألوان المشاكل ، فتمسهم البأساء والضراء ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ويزلزلون ، وربما استطال اليأس بسبب ذلك حتى على نفوس المخلصين «حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ» (١)؟! ولكن ليعلموا أن انتصارهم حتمية فرضها الله كما فرض كتابه عليهم «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» (٢) ، نعم. قد يتأخر لحكمة يعلمها الله (كتصفية قلوب المؤمنين من أدرانها ، ولكي يكون النصر أكبر وأشمل وأنفع) ، فلا ينبغي للمؤمنين المجاهد ان يقنط وييأس لان اليأس من العوامل الرئيسية والخطيرة التي تجمد الطاقات ، وتكبل الإنسان عن السعي ، لأنه معه لا يرى فائدة من التحرك ، فلما ذا يسعى نحو السراب؟! والحركة الناجحة هي التي تجنب أفرادها السقوط في أشراكه ، وتبادر الى علاج حالاته وظواهره كلما بدت ، بإعطاء المزيد من الأمل في الله ، والثقة به ، والتوكل عليه.
ولهذه الآية الكريمة تأويل يتصل بحياة الأرض المعنوية التي تعني اشاعة العدل والسلام في ربوع البلاد! ومعلوم انّ الله لا يحييها ـ حسب هذا المعنى ـ كما يحييها بالمعنى الاول بالمطر ، بل بأيدي الصالحين من عباده ، ولكنّ السؤال بماذا يحيي الله الأرض؟ إنّه لن يبعث ملائكته الشداد الغلاظ ليقوضوا الانظمة الفاسدة ، أو يطهروا الأرض من دنسها ورجسها ، انما سيحييها وفق سننه التي فطر الوجود عليها ، سيحييها بأهلها من المؤمنين المجاهدين ، والقيادات الصالحة ، الذين يتصدون للجهاد في سبيل اقامة حكومة الحق والعدل على ربوع المعمورة ، قال الامام
__________________
(١) البقرة / ٢١٤
(٢) القصص / ٨٥