المؤمن (فردا ، وحركة ، وأمة) وهي أنّه يقيس المسافة بينه وبين التغيير ، وينظر إليها من خلال قدراته وإرادته الذاتية ، فيرى الأعداء أكثر منه عددا وعدة وخبرة ، فيستنتج انه لا يمكنه تحقيق الانتصار عليهم بامكانياته المحدودة ، الأمر الذي يزرع اليأس والهزيمة في نفسه ، وربما يقوده الى التراجع عن المسيرة والاستسلام للواقع عمليا ، وهذا خطأ خطير يجب علاجه بالتوكل على الله ، والثقة بنصره ، وأنّه يحيي الأرض بعد موتها ، وينصر من يتحركون الى هذا الهدف بإرادته المطلقة التي لا يعجزها شيء.
الثانية : ان الأرض بمن عليها وبما فيها تصبح ميتة في ظل حكومات الجور ، فهي تميت قلوب الناس بالتضليل ، ولا تبقي لأحد منهم حرمة في ماله ، وعرضه ، ولا دمه ، (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (١). ثم إنها توجه طاقات الشعوب في دمارها ، وتشعل الحروب لاطماعها الرخيصة ، ثم تدفع الناس ضحايا وقرابين من أجلها ، ولنا ان نتصور أحد معاني الموت في ظلها بنظرة خاطفة الى النظام الاستكباري الذي يحكم العالم اليوم ، والى ترسانات الاسلحة المدمرة ، التي تكفي لتدمير الأرض أكثر من (٢٠٠) مرة ، وهي تزرع الآن الخوف في كل العالم ، كما تمتص ثروات الناس ، وتمنعهم من الانتفاع بها في سبيل تقدمهم ورفاههم!
ثم ان مقياس الحياة وبالذات عند المؤمن ليس القيام بالوظائف المادية الضرورية كالأكل والشرب والتنفس والحركة و.. إنما مقياسها على ضوء الاهداف والقيم الانسانية والالهية ، وما هي قيمة الإنسان إذا جرد من حريته وكرامته؟! لا ريب ان الموت أهون عليه من الحياة بدونها ، ولذلك قال الامام الحسين (ع) : إني لا ارى الموت الا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا برما ، وقال الامام
__________________
(١) البقرة / ٢٠٥