أنبل من هؤلاء وأقرب إلى الله؟ بالطبع اختلف المفسرون والقراء عند هذه الآية فوقف بعضهم عند كلمة «الصدّيقون» ، واعتبر الواو في قوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ) للاستئناف فألحق «عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» بالشهداء وأوقفه عليهم ، والذي يظهر أنّه منصرف إلى الإثنين (الصديقون والشهداء) ، لأنّ الشهادة في القرآن ليست منصرفة إلى القتل بالسيف وإنّما هي تنصرف لكل من وافاه أجله مؤمنا بالله ورسله متحملا لمسؤوليته الرسالية وهي بمعنى الشهود والحضور والميزان والتأثير.
روى العياشي عن منهال القصّاب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدع الله أن يرزقني الشهادة فقال : «ان المؤمن شهيد ، وقرأ هذه الآية» (١) وعن الحارث بن المغيرة قال : كنّا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال : العارف منكم هذا الأمر المنتظر له ، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد بسيفه ، ثم قال : بل والله كمن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسيفه ، ثم قال الثالثة : بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فسطاطه! وفيكم آية من كتاب الله. قلت : وأيّة آية جعلت فداك؟ قال : قول الله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، قال : صرتم والله شهداء عند ربّكم. (٢) وقال الصادق (ع) : «نزلت هذه الآية في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم» (٣).
إنّ تصديق الشهادة الحقيقية يتجلى في الإيمان بالله ، والطاعة للقيادة الرسالية ، لأنّ المهم أن يكون الإنسان في خدمة الدين ليكون صدّيقا أو شهيدا ثم لا يهم أين
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٤٤
(٢) المصدر
(٣) المصدر / ج ٣ ص ٥٠٣