منيته ، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ، ألا وإنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل ، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله ، ولم يضرره أجله ، ومن قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله ، وضرّه أجله» (١)
ساعات الدنيا خير من ساعات الآخرة :
ـ وبالرغم من أن ظاهر التعريف بالدنيا يحقرها في نفوسنا ، لكن ربنا لا يريد من هذا التعريف ان يحط من قدرها لكي ننصرف عنها انصراف المتصوفة ، فهي ذات اهمية لكلّ إنسان ، لأنها دار تقرير المصير الابدي ، وحينما يسأل الامام علي (عليه السلام) أيهما أفضل ساعة من ساعات الدنيا أم ساعة من ساعات الاخرة فانه يجيب : ساعة من الدنيا خير من ساعات في الاخرة ، لأنه يربح بساعة دنيوية آلاف الساعات ، وربما اشترى بها الخلود في الجنة كالحر بن يزيد الرياحي ، الذي لم يكن بين توبته وشهادته الا لحظات ، وانما أراد الله ان يبين لنا طبيعتها وطبيعة الإنسان حينما يحبها ويتخذها هدفا ، دون مرضاة الله. وهذا يتضح من نهاية الاية ، وعلاقتها بالتي تليها حيث الدعوة الى التسابق نحو الخيرات ، فهو تارة يتخذها هدفا فلا قيمة لها ، انما هي متاع الغرور ، وتارة اخرى يتخذها وسيلة وميدانا للتسابق الى مغفرة الله والجنة ، فيسخر كل ما يملك من نعيمها لهذه الغاية ، فهي عند ذلك ذات قيمة عظيمة.
إن الله يؤكد للمؤمنين ـ بالذات الفريق الذين ضعف ايمانهم نفسيا ، فما عادوا يخشعون لذكر الله وآياته بالكيفية اللازمة ، وعمليا ، فما عادوا يسلمون لاوامر القيادة بالإنفاق مثلا ، فصاروا على شفاجرف هار من القسوة والنفاق بسبب اليأس من الانتصار لتأخره ، وبسبب الانصراف الى الدنيا بدل الاخرة ـ يؤكد لهم
__________________
(١) نهج / ح ٢٨