الذي يعطيك هذا التفاخر والتكاثر؟ هب انك بلغت ما بلغ سليمان ذلك النبي الكريم الذي سخرت له الريح ، واستخدم الجن وعلم منطق الطير ، ولكن أتعلم اين سليمان اليوم؟ واين ملكه الكبير؟ وأين عزته الشامخة؟ أفلا نعتبر بمصير الملوك الذين حققوا عند الناس طموحاتهم فاذا بهم ينقلون من قصورهم الى قبورهم تأكل أبدانهم الديدان قبل ان تصبح رميما ثم ترابا تذروه الرياح؟
أما المؤمن بالآخرة فان نفسه قانعة بما لديها ، راضية بما آتاها الله ، وتائقة الى ما عنده. هل سمعت نبأ الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) كيف خرج عن أمواله جميعا لله مرة وقاسم الله أمواله مرات؟ أم هل عرفت زهد الامام علي عليه السلام؟ وهكذا المؤمن يستبدل الدنيا بالآخرة ، ولن يمتنع عن الإنفاق في سبيل الله.
وعلى أساس الايمان بأن الآخرة هي دار الجزاء والخلود ـ فأما عذاب شديد ، أو مغفرة ورضوان من الله حسب ما يقدم الإنسان في الدنيا ليوم الحساب ـ فانه لا ريب سيعرف أهمية الحياة الدنيا ، ودورها الحاسم في مستقبله الابدي ، وحينها لن يدع الهزال والمزاح واللعب يأخذ من وقته شيئا ، لان الغاية عظيمة ، والخطر كبير ، والفرصة قصيرة ، بل سوف يخشع قلبه لذكر الله خوفا من عذابه ، وطمعا في مغفرته ورضوانه.
وأعظم هدف يسعى اليه هو الخلاص من النار ، لان صراط الجنة يمر من فوقها. أو ليس طريق الجنة محفوفا بالمكاره التي ينبغي للإنسان تحملها والصبر عليها ، وبالشهوات التي ينبغي ان يتحداها ويجتنبها ، فان لم يتحمل ولم يصبر ، أو لم يتحد ويتجنب فسوف يقع في الجحيم وقودا لنيرانها ويعذب فيها بقدر فشله؟ وهذه الغاية من أعظم طموحات المتقين «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً