(ش) يجوز حذف ناصب المفعول به قياسا ؛ لقرينة لفظية أو معنوية نحو : (زيدا) لمن قال : من ضربت ، أي : ضربت ، ولمن شرع في إعطاء ، أي : أعط ، و (خيرا) لمن ذكر رؤيا ، أي : رأيت ، و (حديثك) لمن قطع حديثه ، أي : تمم ، و (مكة) لمن تأهب للحج ، أي : تريد أو أراد ، و (القرطاس) لمن سدد سهما ، أي : تصيب.
ومعنى كونه قياسا أنه لا يقتصر فيه على مورد السماع ، ومنه في القرآن (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] ، أي : أنزل ، (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٣٥] ، أي : نتبع.
ويجب الحذف سماعا في الأمثال التي جرت كذلك ، فلا تغيّر كقولهم : (كلّ شيء ولا شتيمة حر) ، أي : ائت ولا ترتكب ، و (هذا ولا زعماتك) ، أي : هذا هو الحق ولا أتوهم ، وقيل : التقدير ولا أزعم ، وكذا ما أشبه المثل في كثر الاستعمال نحو : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] ، أي : وأتوا ، بخلاف ما لم يكثر استعماله نحو : انته أمرا قاصدا ، أي : وأت ، فإنه لا يجب إضمار فعل.
قال أبو حيان : وقد غفل الزمخشري عن هذا فجعل (انْتَهُوا خَيْراً) [النساء : ١٧١] منه ، وانته أمرا قاصدا سواء في جواب إضمار الفعل ، وقد نص سيبويه على أنه لا يجب إضمار الفعل في (انته أمرا قاصدا) ، وعلل ذلك بأنه ليس في كثرة الاستعمال مثل انته خيرا لك ، وقولهم : (الكلاب على البقر) بإضمار (أرسل) ، ومعناه خلّ بين الناس جميعا خيرهم وشرهم ، واغتنم أنت طريق السلامة فاسلكها.
وقولهم : (أحشفا وسوء كيلة) (١) ، مثل لمن يظلم الناس من وجهين ، ومعناه تعطيني حشفا وتسيء الكيل ، وأما (من أنت زيدا) فأصله أن رجلا غير معروف بفضل تسمى بزيد وكان زيد مشهورا بالفضل والشجاعة فلما تسمى الرجل المجهول باسم ذي الفضل دفع عن ذلك ، وقيل : له من أنت زيدا على جهة الإنكار عليه ، كأنه قال : من أنت تذكر زيدا ، أو ذاكرا زيدا ، وفي قولهم : من أنت تحقير للمخاطب ، وقد يقال لمن ليس اسمه زيدا : (من أنت زيدا) على المثل الجاري.
وأما (كل شيء ولا هذا) فمعناه ائت كل شيء ولا تأت هذا ، أو اقرب كل شيء ولا تقرب هذا.
__________________
(١) الكيلة فعلة من الكيل ، وهي تدل على الهيئة والحالة ، نحو : الركبة ، والحشف أردأ التمر ، أي : أتجمع حشفا وسوء كيل ، يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين.