لا أمنع من ذلك ، وشرط الرفع أيضا أن يكون ما بعدها فضلة ، فلو كان واقعا خبر المبتدأ أو خبر كان أو نحوهما وجب نصبه نحو : كان سيري حتى أدخلها ؛ لأنه لو رفع كانت حتى حرف ابتداء فيبقى المخبر عنه بلا خبر ، وأجاز الكسائي رفع المستقبل إذا كان غير مسبب عما قبل نحو : سرت حتى تطلع الشمس ، ونصب الحال إذا كان مسببا عما قبل وجوزه في قول حسان :
١٠٠٧ ـ يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم
ورد بعدم السماع وبمخالفته للقياس بأن النواصب من مخلصات المضارع للاستقبال.
ويتعين النصب عند سيبويه والأكثرين بعد فعل غير موجب وهو المنفي وما فيه الاستفهام وقلما نحو : ما سرت حتى أدخل المدينة وقلما سرت حتى أدخلها ، إذا أردت بقلما النفي المحض ، وأسرت حتى تدخل المدينة؟ وإنما لم يجز الرفع ؛ لأنه على معنى السببية للأول في الثاني والأول منفي لم يقع ، فلا يكون نفي السبب موجبا لوجود مسببه ، وخالف الأخفش فجوز الرفع على أن أصل الكلام موجب وهو سرت حتى أدخل المدينة ، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فنفت أن يكون سير كان عند دخول ، فكأنك قلت :ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة ، واتفقوا على أن الرفع في ذلك غير مسموح وإنما أجازه الأخفش ومن تبعه قياسا ، ولو أريد بقلما التقليل لا النفي فكذلك عند سيبويه ، وجوز أبو علي والرماني وجماعة الرفع بعدها.
وذهب طائفة من القدماء إلى امتناع الرفع أيضا بعد (كثر ما) و (طالما) و (ربما) نحو : كثر ما سرت حتى أدخلها ، وطالما سرت حتى أدخلها ، وربما سرت حتى أدخلها إلحاقا لها بقلما ، إلا أن السير لما كان مجهول العدد غير معلوم المراتب صار بمنزلة ما ليس بواجب ، وعارضه سيبويه بقولهم : مررت غير مرة حتى أدخلها ؛ لأنهم كانوا يجيزون الرفع في هذه المسألة ، وفيه (غير مرة) الذي من أجله صار السير عندهم ليس معلوما ، وحكى الجرمي في (الفرخ) أن من العرب من ينصب بحتى في كل شيء ، قال أبو حيان : وهي لغة شاذة.
__________________
١٠١٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٨ ، ٢ / ٩٦٤ ، والكتاب ٣ / ١٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٢ ، ٣ / ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٢.