قال : ولا يبعد هذا التأويل ، ولمنعه وجه من القياس وهو إجراء الأمر مجرى الواجب ، فكما لا يجوز ذلك في الواجب كذلك لا يجوز في الأمر ، ومن إجراء الأمر مجرى الواجب باب الاستثناء فإنه لا يجوز فيه البدل كما لا يجوز في الواجب ، وذلك بخلاف النفي والنهي فإنه يجوز فيهما ذلك ، وإلى هذا أشرت بقولي : (خلافا لشذوذ).
وصورة المسألة : أن يكون الأمر بصريح الفعل فإن دل عليه بخبر أو اسم فعل لم يجز النصب على الصحيح ؛ لأنه غير مسموع ، وجوزه الكسائي قياسا نحو : حسبك الحديث فينام الناس ، وصه فأحدثك ، وفصل ابن جني وابن عصفور فأجازا النصب بعد اسم فعل الأمر إذا كان مشتقا كنزال من النزول ، ودراك من الإدراك ، ورده بدر الدين بن مالك بأنه ليس في كونه مشتقا ما يسوغ تأوله بالمصدر فإن المصحح للنصب في نحو : نزال فأنزل هو صحة تأول فعل الأمر بالمصدر من قبل أن فعل الأمر يصح أن يقع في صلة أن بمصدر لها كما في نحو : أو عزت إليه بأن افعل ، ولا يصح ذلك في اسم الفعل المشتق من المصدر كما لا يصح في غير المشتق فلا فرق بينهما في امتناع نصب الجواب ، قال أبو حيان : والصواب أن ذلك لا يجوز ؛ لأنه غير مسموع من كلام العرب.
الثاني : النهي نحو : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ) [طه : ٦١] ، (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَ) [طه : ٨١].
الثالث : الدعاء بفعل أصيل في ذلك نحو : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) [يونس : ٨٨].
١٠٢٢ ـ ربّ وفّقني فلا أعدل عن |
|
سنن السّاعين في خير سنن |
واحترز (بفعل) من الدعاء بالاسم نحو : سقيا لك ورعيا ، و (بأصيل) من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر نحو : رحم الله زيدا فيدخله الجنة ، وأجاز الكسائي نصبه.
الرابع : الاستفهام سواء كان بحرف نحو : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)
__________________
١٠٢٢ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧١ ، وشرح قطر الندى ص ٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٧.