ذلك ، قال ابن مالك : وهو الصحيح ؛ لثبوته في النثر والنظم ، قال تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [عبس : ٣ ـ ٤] ، وقال : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر : ٣٦ ـ ٣٧] في قراءة من نصب فيهما ، وقال أبو حيان : يمكن تأويل الآيتين بأن النصب فيهما من العطف على التوهم ؛ لأن خبر لعل كثر في لسان العرب دخول أن عليه ، وفي شرح «كتاب سيبويه» لأبي الفضل الصفار : خالفنا الكوفيون في (غير) فأجازوا بعدها النصب ؛ لأن معناها النفي نحو : أنا غير آت فأكرمك ؛ لأن معناه ما أنا آت فأكرمك ، قال : وهذا لا يجوز ؛ لأن (غيرا) مع المضاف إليها اسم واحد ، و (ما) بخلافها ؛ لأنك تقدر بعدها المصدر فتقول : لكن كذا وما يكون كذا و (غير) لا يتصور فيها ذلك ؛ لأنها مع ما بعدها اسم فلا يفصل منها ويحذف لشيء آخر ؛ لأن في ذلك إزالة لوضعها.
وأشار بدر الدين بن مالك إلى أن أباه وافق الكوفيين في ذلك ، قال أبو حيان : وزعم الكوفيون أن (كأن) إذا خرجت عن التشبيه جاز النصب بعد الفاء نحو : كأني بزيد يأتي فتكرمه ؛ لأن معناه ما هو إلا يأتي فتكرمه ، قال : وهذا الذي قالوه لا يحفظه البصريون ولا يكون (كأن) أبدا للتشبيه ، وفي «التسهيل» يلحق بالنفي التشبيه الواقع موقعه نحو : كأنك وال علينا فتشتمنا ، تقديره ما أنت وال علينا فتشتمنا ، قال أبو حيان : وهذا شيء قاله الكوفيون ، قال ابن السراج : وليس بالوجه ، ومنع البصريون من تقدم هذا الجواب على سببيه ؛ لأن الفاء عندهم للعطف ، وجوز الكوفيون فيقال : ما زيد فنكرمه يأتينا ؛ لأن الفاء عندهم ليست للعطف ، فقولي : «وجوزوا» ، أي : الكوفية ، وجوز الكوفيون أيضا تأخير معمول السبب بعد الفاء والمنصوب نحو : ما زيد يكرم فنكرمه أخانا ، تريد ما زيد يكرم أخانا فنكرمه.
ومنع أكثر النحويين النصب بناء على أن الفاء عاطفة على مصدر متوهم فكما لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله فكذا لا يجوز بين (يكرم) ومعموله ؛ لأنه في تقدير المصدر ، وإن تقدمت جملة اسمية نحو : ما زيد قادم فتحدثنا ، فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب ؛ لأن الاسمية لا تدل على المصدر وذهب طائفة إلى جوازه ، وقال أبو حيان : الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور أو اسم فاعل أو مفعول ؛ ليدل ذلك على المصدر المتوهم نحو : ما أنت عندنا فنكرمك ، وما أنت منا فنحسن إليك ، وما زيد مكرم لنا فنكرمه ، وما زيد يكرم فنكرمه ، فإن كان اسما لا دلالة فيه على المصدر نحو : ما أنت زيد فنكرمه لم يجز النصب ويتعيّن القطع أو العطف ، والقطع أحسن ؛ لأن العطف