منه ، قال أبو حيان : وجزمه بعد الترجي غريب جدا ، والقياس يقبله قال الشاعر :
١٠٣٢ ـ لعلّ التفاتا منك نحوي ميسّر |
|
يمل بك من بعد القساوة لليسر |
وسواء في جواز الجزم بعد الأمر الصريح والمدلول عليه بخبر نحو : اتقّى الله امرؤ فعل الخير يثب عليه ، أي : ليتق ، أو اسم فعل نحو : حسبك الحديث ينم الناس ؛ لأن معناه اكتف ينم الناس ، ونزال أكرمك وعليك زيدا يحسن إليك ، قال أبو حيان : وقال بعض أصحابنا : الفعل الخبري لفظا الأمري معنى لا ينقاس إنما هو موقوف على السماع ، والمسموع اتقى الله امرؤ فعل الخير يثب عليه انتهى.
فإن لم يحسن إقامة (إن يفعل) مقام الأمر ، وإلا يفعل مقام النهي لم يجزم جوابهما مثاله أحسن إليّ لا أحسن إليك يرفع على الاستئناف ؛ لأنك لو قدرته إن تحسن إليّ لا أحسن إليك لم يناسب أن يكون شرطا وجزاء ؛ لأن مقتضى الإحسان لا يترتب عليه عدم الإحسان ، وكذلك لا تقرب الأسد يأكلك ؛ إذ لا يصح تقدير إلا تقرب الأسد يأكلك ، فيتعين الرفع هذا مذهب سيبويه وأكثر البصريين ، وجوز الكسائي الجزم فيهما ، ونسبه ابن عصفور للكوفيين ، وذكر أبو عمر الجرمي في (الفرخ) أنه يجوز على رداءة وقبح.
قال أبو حيان : وفيه مذاهب أخر أنه يجوز الجزم لا على أنه جواب ، بل حملا على اللفظ ؛ لأن الأول مجزوم ، وإلى هذا ذهب الأخفش ، أما النفي فلا يجوز الجزم بعده على الصحيح ؛ لأنه خبر محض فليس فيه شبه بالشرط كما في البواقي.
وعن أبي القاسم الزجاجي أنه أجاز الجزم في النفي ، وقال بعضهم : نختار فيه الرفع ، ويجوز الجزم وهو موافق لإطلاق بعضهم أن كل ما ينصب فيه بالفاء يجزم ، ولم يستثن النفي ، قال أبو حيان : ولم يرد بالجزم في النفي سماع من العرب وحيث جزم في البواقي فقال ابن مالك في شرح «الكافية» : هو بما قبلها من الأمر والنهي وسائرها على تضمن معنى الطلب معنى (إن) ، كما في أسماء الشرط نحو : من يأتني أكرمه فأغنى ذلك التضمين عن تقدير لفظها بعد الطلب ، قال : وهذا مذهب الخليل وسيبويه ، وقد رد ولده هذا المذهب فقال : تضمن هذه الأشياء معنى الشرط ضعيف ؛ لأن التضمين زيادة بتغير الوضع والإضمار زيادة بغير تغيير فهو أسهل ، ولأن التضمين لا يكون إلا لفائدة ، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط ؛ لأنه يدل عليه بالالتزام فلا فائدة في تضمينه بمعناه ،
__________________
١٠٣٢ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٠.