ورده أيضا ابن عصفور فقال : التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ، ولا يوجد عامل جملة في موضع من المواضع.
قال أبو حيان : وأقول إن التضمين لا يجوز أصلا ؛ لأن المضمن شيئا يصير له دلالة على ذلك الشيء بعد أن لم يكن له دلالة عليه مع إرادة مدلوله الأصلي ، فإذا قلت : من يأتني آته ، فمن ضمنت معنى الحرف ودلت على مدلولها من الاسم فصارت لها دلالتان دلالة مجازية وهي معنى إن ، ودلالة حقيقية وهي مدلول الشخص العاقل ، وأما هنا فقولك : ائتني أكرمك يكون فيه تضمين ائتني معنى إن تأتني فتضمنت معنى إن ومعنى الفعل المعمول لها ، وذلك معنى مركب ودلت على معناها الأصلي من الطلب وهو دلالته الحقيقية ، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين إنما يكون التضمين لمعنى واحد ، ولا يقال : إنه تضمن معنى (إن) وحدها ؛ لأن فعل الطلب ليس قابلا لتضمن معنى (إن) ؛ لتنافيهما من حيث إن فعل الطلب يقتضي مدلوله من الطلب ، وإن يقتضي معناها أن يكون الفعل خبرا ، ولا يكون الشيء الواحد طلبا وخبرا انتهى.
وممن قال بالتضمين ابن خروف ، وذهب الفارسي والسيرافي إلى أن الجزم بهذه الأشياء لا على جهة التضمين ، بل على جهة أنها نابت مناب الشرط بمعنى أنه حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه منابها في العمل ، ونظيره قولهم : ضربا زيدا ، فإن (ضربا) ناب عن اضرب ، فنصب زيدا لا أنه ضمن المصدر معنى فعل الأمر ، بل ذلك على طريق النيابة ، وكذا زيد في الدار أبوه ارتفع (أبوه) بالجار والمجرور ؛ لأنه ناب مناب كائن لا أنه ضمن معناه ، فيكون جزمه إذ ذاك ؛ لنيابته مناب الجازم لا لتضمن الجازم ؛ لأن الجازم بطريق التضمين جازم بحق الأصل ، وكذا تقول : الجازم في من يأتني أكرمه إنه هو لفظ اسم الشرط ، وهذا ما صححه ابن عصفور ، وذهب أكثر المتأخرين إلى أنه مجزوم بشرط مقدر بعد هذه الأشياء ؛ لدلالة ما قبل وما بعد عليه والتقدير مثلا : ائتني إن تأتني أكرمك.
قال أبو حيان : وهذا الذي نختاره ولا حاجة إلى التضمين ولا إلى النيابة ، قال : وقد حكى بعض أصحابنا مذهبا رابعا وهو أنه مجزوم بلام مقدرة ، فإذا قال : ألا تنزل تصب خيرا ، فمعناه لتصب خيرا ، قال : وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا يطرد في مواضع الجزم إلا بتجوز كثير ، وزعم الفراء والمازني والزجاج أن (يقيموا) في قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) [إبراهيم : ٣١] وشبهه مبني لوقوعه موقع (أقيموا) ، وهو معمول القول.
إضمار أن بعد الواو والفاء وغيرهما.