قال أبو حيان : وذهب بعض النحويين إلى أنه يجوز النصب بعد أفعال الشك نحو : حسبته شتمني فأثب عليه ؛ وذلك لأن الفعل غير المحقق قريب من المنفي فألحق به في النصب بعده ، قال : وقد اضطرب في هذه المسألة ابن عصفور فأجازه في شرح «القانون» ، ومنعه في شرح «الجمل» الكبير ، قال : والصحيح جواز ذلك وإليه ذهب سيبويه قال وزاد بعض أصحابنا من مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما ، بعد جواب القسم ؛ لأنه غير واجب وجوابه كجواب الشرط ، فما جاز فيه نحو : أقسم لتقوم فيضرب زيدا ، ولتقومن فتضربه ، قال هذا الذاهب : ولم يذكر سيبويه القسم ، وقياس قوله في الشرط يقتضيه على ضعيفه ، قال أبو حيان : وما ذهب إليه هذا الذاهب لا يجوز ؛ لأنه لم يسمع من كلام العرب على كثرة الأقسام على ألسنتهم ، بل المسموع أنك إذا عطفت على جواب القسم كان حكمه حكم الجواب ، فما جاز في الجواب جاز في المعطوف انتهى.
وزاد ابن مالك في مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما بعد حصر (بإنما) كقراءة ابن عامر (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] بالنصب ، قال ابنه : وهذا نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة الشعر ، وغيره جعل الآية من جواب الأمر وهو (كن) وإن لم يكن أمرا في الحقيقة لكنه على صورته فعومل معاملته.
فإن كان الحصر بإلا نحو : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا لم يجز النصب إلا في ضرورة الشعر ، وكذا نصب الفعل الخبري المثبت الخالي من أداة الشرط ، قال سيبويه : وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث النصب في غير الواجب ، ولك أن تجعل أن العاملة وأنشد على ذلك قوله :
١٠٣٤ ـ سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا |
قال ابن مالك : ويجوز في المنفي ب : (لا) الصالح قبلها (كي) الرفع والجزم سماعا عن العرب ، قال ابنه : فقول العرب : (ربطت الفرس لا تنفلت ، وأوثقت العبد لا يفر) حكى الفراء أن العرب ترفع هذا وتجزمه ، قال : وإنما جزم ؛ لأن تأويله إن لم أربطه ، فجزم على التأويل ، قال أبو حيان : وما ادعياه ولم يحكيا فيه خلافا خالفا فيه الخليل وسيبويه وسائر البصريين ، وفي شرح «الجمل» الصغير لابن عصفور : أجاز الكوفيون جزمه جوابا للفعل الواجب إذا كان سببا للمجزوم نحو : زيد يأتي الأمير لا يقطع اللص ، وهذا عندنا
__________________
١٠٣٤ ـ تقدم الشاهد برقم (٢١٠) ، (١٠٢٢).