وكذلك إن كان القول منويا وتقدم فعل مؤول به ، لكنه إذا لم يتأول كانت أن داخلة للتفسير ، بخلاف المصرح والمقدر فإنها تجيء بعده (أن) ، وذكر ابن عصفور في شرح «الجمل» الصغير أنّ أن تأتي تفسيرا بعد صريح القول ، وفي «البسيط» : اختلف في تفسير صريح القول فأجازه بعضهم وحمل عليه قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] ، ومنهم من يمنع في الصريح ويجيز في المضمر كقولك : كتبت إليه أن قم.
الشرط الثاني : ألا تتعلق بالأول لفظا فلا تكون معمولة ولا مبنية على غيرها ، ولذلك لم تكن تفسيرية في قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) [يونس : ١٠] ؛ لأنها واقعة خبرا للمبتدأ ، ولا في قولهم : كتبت إليه بأن قم ؛ لأنها معمولة لحرف الجر ، فإن لم تأت بحرف الجر جاز فيها الوجهان ، وإن ولي (أن) الصالحة للتفسير مضارع مثبت نحو :أو حيث إليه أن يفعل كان فيه الرفع على أنها حرف تفسير ، والنصب على أنها مصدرية ، أو معه (لا) نحو : أشرت إليه أن لا يفعل كان فيه الأمران لما ذكر ، والجزم أيضا على النهي وتكون (أن) فيه تفسيرا.
الموضع الثالث : الشرط بمعنى (إن) أثبته الكوفيون والأصمعي واستدلوا بقوله :
١٠٤٥ ـ أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا |
|
جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم |
قالوا : لصحة وقوع (أن) موقعها وامتناع أن تكون أن الناصبة ؛ لأنها لا تفصل بين الفعل أو المخففة ؛ لأنه لم يتقدم عليها فعل تحقيق ولا شك ، وقال الخليل : بل هي الناصبة ، وقال المبرد : هي المخففة من الثقيلة على تقدير أتغضب من أجل أنه أذنا ، ثم حذف الجار وخفف.
الرابع : النفي أثبته بعضهم وخرج عليه : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) [آل عمران : ٧٣] ، أي : لا يؤتى ، وأنكره الجمهور.
الخامس : بمعنى لئلا أثبته بعضهم وخرج عليه (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء:
__________________
١٠٤٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١١ ، والأزهية ص ٧٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٠ ، ٩ / ٧٨ ، ٨٠ ، ٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٨٦ ، والكتاب ٣ / ١٦١ ، ومراتب النحويين ص ٣٦ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٢١٨ ، والجنى الداني ص ٢٢٤ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٢٨.